📍فيما كانت دماء ترمب لا تزال تسيل على وجهه .. سارعت بعض (النُّخَب) في بلادنا بالقطع بأن حادث الاغتيال ليس سوى مسرحيةٌ سيئة الإخراج .. هكذا قولاً واحداً .. والحقيقة أن ما قاله النجباء عندنا لم يقل به أي صحفي أو محلل أمريكي باختلاف ألوانهم السياسية ورغم الكراهية المطلقة التي يكنها الكثير منهم لترمب ، والذين قالوا ذلك عندنا يستندون على مرتَكًزٍ ثابتٍ لديهم وهو إلقاء القول على عواهنه ولا حرج .. مهما بلغ خطل القول وخطورة الأمر.
📍لا شك أن الرصاصة التي أصابت أُذُن ترمب كانت تستهدف دماغه ، وقد أخطأت هدفها بمليمترات قليلة ، وبالنظر إلى أن مطلق الرصاصة كان يصوب بندقيته ال AR15 من أعلى سطح مبنىً صناعي خارج دائرة الحشد ويبعد عن الهدف مئات الأمتار .. فإن التعديل الذي كان مطلوباً لضبط زاوية انحراف الرصاصة حتى تخترق دماغ ترمب كان ليكون أقل بكثير من 0,001° ، فلا ندري عن أي مسرحيةٍ يتحدث هؤلاء ، وما الذي يقصدونه بسوء إخراجها!!؟
📍أشرنا كثيراً إلى التحديات الجسيمة التى تواجهها الولايات المتحدة الأمريكية ، ولا سيما تلك المرتبطة بالانتخابات الرئاسية القادمة ، والتي قد تؤدي لاحتمالاتٍ خطيرةٍ من بينها اندلاع حرب أهلية ، وربما تؤدي إلى تفكك الاتحاد الفيدرالي ، وهذه الاحتمالات حذَّرت منها مراكز غربية رصينة وشخصيات سياسية وعِلمية أمريكية وازنة .. وها نحن نشهد كيف أن هذه الانتخابات وقبل أن تبدأ.. قد جرى تعميدها بالدم ، وهي ليست دماء محتجين بسطاء ، ولكنها دماء دونالد ترمب الذي تعهد باجتثاث الدولة العميقة حتى ولو كلفه ذلك هدم المعبد برمته ، وقد رأينا كيف أن الدولة العميقة لم تدَّخِر بدورها سبيلاً سياسياً أو قضائياً لردع ترمب ومنعه من خوض الانتخابات القادمة ، واليوم نحن أمام حادث اغتيال قد جرى تصفية منفذه على غرار حادث اغتيال كنيدي!! ، وأياً كان ما ستُفضي إليه التحقيقات ، والتي ستنتهي كالعادة إلى أن ما وقع هو مجرد تصرُّف فردي من مهووس ، فإن احتمالات فوز ترمب أصبحت راجحة جداً وبفارقٍ كبيرٍ عن بايدن أو كامالا هاريس أو أي مرشحٍ آخر قد يتم الزج به في اللحظة الأخيرة ، ولا شك أن أي محاولة لتغييب ترمب بعد اليوم عن الانتخابات ستعني بالتأكيد فتح صندوق باندورا على مصراعيه.
📍يعلم الكثيرون بأن في الولايات المتحدة الأمريكية أعماقٌ مختلفة ، ولكل عُمقٍ منها نفوذه ودولته وسلطته وسطوته وشبكة ترابطاته ، وهو ما يجعل الولايات المتحدة دولةٌ شديدة التعقيد ، وهو تعقيدٌ مقصودٌ ومُهَندَسٌ بعنايةٍ فائقة ليخدم أغراضاً داخلية وأخرى خارجية ، والمقصود بسياسات ترمب المتوقعة هو استهداف العمق السطحي Surface Depth للدولة دون الاقتراب من الأعماق السحيقة Abyssal Zone ، والعمق السطحي الذي يستهدفه ترمب لا يتجاوز الأجهزة الأمنية والبنتاجون والخارجية والقضاء والنيابة وغيرها ، دون التوغل عميقاً في المساس بالنطاق الحساس الذي يُسمُّونه The Stablishments ، وهذا سيمنح ترمب قُدرةً على انحيازاتٍ ومواقفٍ كبيرة فيما يتعلق بسياسة الولايات المتحدة الخارجية ومنها:-
▪️يراهن بنيامين نتينياهو على فوز ترمب الذي سيقدم له دعماً سريعاً وكبيراً وغير محدود على الصعيد الإقليمي ، وفي حربه على غزة ، ولذلك هو يتلاعب بعامل الوقت في المفاوضات.
▪️دول الخليج تتمتع بعلاقاتٍ تراها مميزةً مع الجمهوريين وبالذات مع دونالد ترمب ، والذي يريد أن يستكمل معهم الاتفاق الإبراهيمي وصفقة القرن (وهذا ما سيوقع ضغوطاً هائلةً على مصر وعلاقة سيناء بالصفقة) ، توطئةً لتحالف عسكري تقوده إسرائيل وتموله دول الخليج لكبح جماح إيران والتصدي لأي تمدد صيني أو روسي في المنطقة ، بالإضافة إلى حصوله على تمويل برنامجه الانتخابي وخاصةً فيما يلي إنعاش الاقتصاد الأمريكي ، وتأمين الوظائف لتخفيض نسبة البطالة.
▪️يعتقد ترمب بأن صدام الولايات المتحدة الحقيقي والحتمي سيكون مع الصين ، ويرى أنه يستطيع تحييد روسيا عن التحالف الاستراتيجي مع الصين بالاستجابة لمخاوفها في أوكرانيا التي عليها الوصول إلى سلام مع روسيا ، وهو ما يعني شبه استسلامٍ تفقد فيه أوكرانيا جزءاً كبيراً من أراضيها ، وروسيا المدركة لكل ذلك ستستجيب لجزرة ترمب ، وستعمق حلفها الاستراتيجي مع الصين في ذات الوقت.
▪️ترمب أعلن أنه سيوقف تمويل الناتو ، وهو ما يعني موتاً إكلينيكياً لحلف الناتو ، وبالتالي فإن الاتحاد الأوربي سيدخل غرفة الإنعاش ، والكثير من دول أوربا ستبقى تحت رحمة روسيا التي قد تبدء تصفية حساباتها في أوربا ، وهو شئ قد لا تعارضه أمريكا كثيراً.
▪️ليس مطلوباً من السودان الكثير سوى الاستمرار في تغييبه عن دائرة الفعل المحلي أو الإقليمي والمحافظة على عدم نكوصه عن موقفه غير المناهض للتطبيع ، والاستمرار في استخدام وضعه المتأزم بالضغط على مصر التي أحكمت إثيوبيا قبضتها حول شريان حياتها ، واستُكمِل عزلها إفريقياً ، وبات استقرارها الداخلي رهينٌ بالديون والهبات الخليجية.
📍لقد بات في حكم شبه المؤكد فوز ترمب بعهدة رئاسية قادمة ، وهو فوزٌ محفوفٌ بتهديدٍ حقيقيٍّ لتقويض الاستقرار الداخلي لأمريكا ، فعندما تولى ترامب الرئاسة عام ٢٠١٧م كان الدين العام الأمريكي حوالي عشرين تريليون دولار ، وكان قد وعد بجعل أمريكا خالية من الديون خلال ثمان سنوات ، غير أن الديون الأمريكية اليوم قاربت الخمسة وثلاثين تريليون دولار ، ويزيد هذا الرقم بمعدل أربع مليارات دولار يومياً ، وأمريكا في عهد بايدن والتي ابتلعت بجرة قلم أرصدة روسيا البالغة نصف تريليون دولار .. غالباً ما ستكون مضطرةً في عهد ترمب لأن تبتلع مبلغ السبعمائة وأربعين مليار دولار من الودائع الخليجية.
📍هذا المقال مجرد ومضات عجلى ، واستعراضٌ مُعتَسَف ، واستقراءٌ شديد الاختزال .. علَّه يكون جرس إنذارٍ غير مبكر على إسقاطات محاولة الاغتيال الفاشلة وبعض ارتداداتها المتوقعة ، ولا شك أن الذين لا يرون فيها سوى حدثاً عابراً أو مسرحيةً سيئة الإخراج .. يعتقدون يقيناً بأن تكتيك الإبرة أكثر من كافٍ لمعالجة كل ذلك ، وسياسة الكهانة كفيلة باستنقاذ بلادنا من كلما يجري ، وأن الخداع الاستراتيجي الذي نملك ناصيته سيمكننا من التلاعب بروسيا وأمريكا والصين وإسرائيل ، وأن علاقاتنا الأزلية بالدول الشقيقة ستكون ضامن سلام وإعادة إعمار البلاد ، وأن مشكلة السودان الوحيدة التي ربما نواجهها بعد قرنين من الزمان هي كيفية ضمان عدم عودة النظام البائد بعد الحرب ، *{وَقِیلِهِۦ یَـٰرَبِّ إِنَّ هَـٰۤؤُلَاۤءِ قَوۡمࣱ لَّا یُؤۡمِنُونَ (٨٨) فَٱصۡفَحۡ عَنۡهُمۡ وَقُلۡ سَلَـٰمࣱۚ فَسَوۡفَ یَعۡلَمُونَ (٨٩)}.*