زيارة عباس كامل … بقلم عثمان العطا

في تقديري لا تحمل أهداف سياسية او دبلوماسية كما أُشيع في اجتهادات تحليل أسباب الزيارة، لكن بالمقارنة مع أحداث سابقة و حالية و مستقبلية يمكن أن نستخدم نظرية الدكتور الترابي في القراءة و التفسير؛ للدكتور الترابي نظرية توحيد السياق حتى يستقيم المعنى؛ بمعنى انه كان يفسر الآية القرآنية بما قبلها و بعدها و لا يأخذها بمعزل من السياق كله وحتى في قراءه المستقبل كان الترابي يَجهد بِربط أحداث التسلسل بما هو ماض و حالي و لذلك لا يمكن للمستقبل أن يكون بمعزل منهما.
سبب الزيارة هو التصريحات الأخيرة لعضو مجلس السيادة الفريق إبراهيم جابر قبل أقل من أسبوع و خلال الورشة الهندسية لإعادة ترسيم ساحل السودان على البحر الأحمر و تأسيس قاعدة بيانات دقيقة عن كآفة المعلومات حول الساحل بما فيها بالطبع منطقة حلايب وشلاتين، و ذكر على وجه الدقة أن للسودان (850) كيلو متراً طولياً بينما تتعمد مواقع مصرية نشر (670) كيلومتر (منزوعة من حلايب) للساحل السوداني، و خبراء تحدثوا عن (780) كيلو متر،
لكن و الحقيقة التي لا يمكن الهروب منها أن تصريحات الفريق إبراهيم جابر جاءت مقصودة لذاتها لأن المعلومات التي تتوفر للسيادة السودانية أن مصر منحت منطقة ساحل حلايب وشلاتين للإمارات بمقابل مادي، الصفقة غير معلنة و لكن كانت الإمارات تسعى من خلال تمكين الدعم السريع في السلطة إلي تقنين الصفقة بالتراضي مصر تقبض المقابل المادي والسودان يوقع على المستندات الرسمية، و سبق لموقع (الجزيرة نت) أن نشر تقريراً في العام (2018) عن قيام الإمارات فعلياً و دفعت بشركات تتبع لوزارة الطاقة الإماراتية دون علم نظام الإنقاذ الرئيس البشير تحديداً وهو الذي قدم عربون المحبة والصداقة كاملة للإمارات والسعودية بطرد البعثة الدبلوماسية الإيرانية في العام (2016م) وقطع العلاقة معها نهائياً، لكن بواقع الحال فإن الإمارات ذهبت إلى ساحل حلايب ( علم مصر العسكرية)، هكذا مصر تقبض الثمن والسودان يوقع على المستندات المطلوبة.

بعض التحديثات التي تمت لوزارة الطاقة الإماراتية في العام (2004م) تم دمج وزارة البترول والثروة المعدنية و المياه في مسمى وزارة الطاقة، ثم تحديث آخر عام (2016) إخراج المياه من الطاقة، و تحديث آخر في العام (2017م) بإضافة الصناعة لتصبح وزارة الطاقة مسؤولة عن الثروة المعدنية (الاسم الحركي للذهب).
المعلومات كانت صادمة للرئيس البشير وقتها مما دفعه لدعوة الرئيس التركي أردوغان لزيارة السودان في ديسمبر (2017)، و الإعلان عن استثمارات في منطقة سواكن التاريخية و فعلياً بدأت أنقرة بصيانة واسعة في مدينة سواكن حسب معلوماتي مباشرة من والي ولاية البحر الأحمر وقتها الأخ الاستاذ الهادي محمد علي سيد أحمد و الذي لم يبخل علينا بمعلومات تاريخية عن ملف سواكن سكانها الأصليون، و مكوناتها المجتمعية، و القيمة التاريخية للمنطقة، وذكر أن بيوت الخبرة التركية كانت لديها مشاريع إعادة جميع المباني القديمة في سواكن بدأت تنفيذها فعلياً بذات الطراز الأول الذي تأسست عليه لولا فاجعة انقلاب أبريل (2019م) المصنوع المشؤوم.
مخاوف مصر الحالية ليست أمنية و لا دبلوماسية لكنها بالدرجة الأولى مخاوف اقتصاديةـ والرئيس عبد الفتاح السيسي في سبيل البقاء في السلطة قد يضطر أن يبيع كل شيء فقد سبق له التنازل في العام (2016م) عن الحدود البحرية بين مصر والسعودية بما يشمل جزيرتي تيران و صنافير لمصلحة السعودية، و لمعلومية القارئ ان جزيرتي تيران صنافير بينهما أربعة كيلومتر فقط تشكلان مضيقاً بحرياً في البحر الأحمر قبالة الحدود الدولية الأقرب إلي مصر، و تقودان مباشرة إلى ميناء العقبة، و تعتبران خانق لإسرائيل من جهة ميناء إيلات تعزلان تل أبيب من أي دعم عسكري أو تجاري بحري، الجزيرتان بيعتا بثمن بخس مما أثار الرأي العام المصري و حينها استخدمت السلطات أقصى درجة القمع الصحفي لكبت إنعاش الحس الوطني تجاه سيادة وحاكمية الشعب المصري على أراضيه ونجحت السلطة.
و مثلث حلايب وشلاتين يقع بعيداً جداً عن الحضر والمدن و المراقبة التقليدية مما سَهّل مهمة الاستعمار الإماراتي في الشروع في استغلال ثروات المنطقة وبما يؤكد أيضاً صحة القراءة.
القلق الأمني يزداد على مصر و الإمارات والسعودية في ساحل البحر الأحمر بتحريك القطع البحرية الإريترية إلي داخل المياة الإقليمية للسودان من الناحية الجنوبية في يوليو الماضي، و باتفاق مسبق بين الرئاسة الإريترية والسيادي السوداني، و للمعلومية فإن هذه القطع مهداة من البحرية الروسية. أهمية العلاقات التي تتسم بالمصداقية والوفاء هي ما عبر عنه الرئيس الارتري و هو يأمر مؤسسات الدولة بتقديم كل إمكانياتها لمساعدة السودان في أزمتها وهو ممتن جداً للشعب السوداني بمساعدة الشعب الإريتري في معركتهم للاستقلال عن الاستعمار الإثيوبي أوائل تسعينيات القرن الماضي كما هو معلوم.
التشنجات التي ظهرت في الإعلام الإماراتي تتحدث عن استثمارات بمليارات الدولارات في السودان والإمارات تنشط لحماية هذه الاستثمارات هذه رسالة أخرى للسلطة في مصر لكن السؤال المهم أين تقع هذه الاستثمارات المليارية في السودان !!! هل هي مشروع (أمطار) بالولاية الشمالية هل تقع في وادي (الهواد) الذي يمتد في أربعة ولايات وسط السودان نهر النيل الخرطوم كسلا الجزيرة؟ لا أظن، هل هي أودية منطقة (الحقنة) جنوب المتمة و شمال الريف الشمالي أمدرمان؟ لا أظن، هي بلا شك في منطقة ساحل البحر الأحمر حيث الذهب، و الطبيعة الخلابة، والثروة الحيوانية خاصة الإبل والماعز (الإماراتيون يستهلكون آلاف الأطنان من صغار الماعز الذكور) ثم و الأسماك خاصة السلمون.

السعودية والإمارات في جانب (ومصر خادم الفكي المجبورة على الصلاة) هم على علم كامل بالمخطط الذي كان يهدف للانقلاب على الجيش بواسطة قوات الدعم السريع، الجميع كان ينتظر أن يتم الأمر بسهولة لتسارع منصات الخارجيات التافهة بالاعتراف بالوضع الجديد في الخرطوم، و لغة (البيض) التي تحدث بها الفريق السيد مالك عقار نائب رئيس مجلس السيادة واصفاً بها موقف السفير السعودي يحمل رسالة مبطنة تعكس استعجال القيادة السعودية لوقف القتال في السودان دون أي ضمانات أو ترتيبات أو إجراءات بما ذكره (أكل البيض دون كسره) تمهيداً لطبخه كناية عن الاستعجال الشديد أما ما الذي تخاف منه السعودية باستعجالها انفاذ اتفاق سلام في السودان هذه رواية أخرى إن كان في العمر بقية .

Exit mobile version