🩸في ٢٦ أكتوبر ١٩٥٤م وأثناء إلقاء جمال عبدالناصر خطابه بميدان ضاحية المنشية في الاسكندرية .. تم إطلاق إحدى عشرة رصاصة مسدس عليه ، ولم يُصَب منها أحد!! ، في واحدٍ من أغبى حوادث الاغتيال فبركةً ، فتم على إثر ذلك اعتقال أكثر من ألف من قادة جماعة الإخوان المسلمين التي كان ينتمي لها عدد من أعضاء ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢م وعلى رأسهم جمال عبدالناصر نفسه ، وكان في جملة المعتقلين الشهيد د. سيد قطب إبراهيم الذي كان العضو المدني الوحيد الذي يشارك في اجتماعات مجلس قيادة الثورة.
🩸سيد قطب عاش قرابة الستين عاماً ، كتب فيها أربعاً وعشرين كتاباً تم نشره ، يتوِّجها ثلاثون مُجلَّداً بعنوان في ظلال القرآن ، وكتب غيرها ثلاثون كتاباً أخرى لم تُنشر لأسباب مختلفةٍ ولا تخفى على مُتابع ، بالإضافة إلى ما يقارب الستمائة مقالةٍ صحفية ، تَنقَّل فيها ما بين مجالات الفكر والشعر والرواية والنقد الفني والأدبي وأعمال التعليم ، ولا تزال آثار ما كتبه هي من الأكثر تأثيراً في العالم الإسلامي ، والأبرز حضوراً في ساحة الفكر الإسلامي السني والشيعي ، واتخذه كلاهماً مرجعاً في تجديد الفقه الحركي للإسلام ، فلا غرو أن أجمع الغرب والاتحاد السوفياتي والصهيونية العالمية على ضرورة إعدامه ، وما انفكُّوا عبثاً يطاردون أفكاره التي اقتاتت من روحه فانبعثت عملاقاً يقض مضاجع الظلم والظالمين حيثما أناخ الظلم.
🩸مكث سيد قطب عشر سنوات حتى أُفرِج عنه بتدخل الرئيس العراقي عبدالسلام عارف ، فصدر في حقه عفو رئاسي لدواعٍ صحيةٍ إذ كان عليه رضوان ربي يعيش بنصف رئة ، وخرج من اعتقاله في مايو ١٩٦٤م ، ولكنه سرعان ما تم اعتقاله مجدداً مع آخرين بعد ثمانية أشهر فقط من اطلاق سراحه ، ليُحاكم بالإعدام فيلقى ربه في ٢٩ أغسطس ١٩٦٥م ، ومما يؤثر ذكره أنه وفي أثناء محاكمتهم الهزلية ، وبينما هم في قفص الاتهام ، سأله د. صلاح عبدالحق وكان صلاح آنذاك لم يبلغ التاسعة عشرة من عمره: تفتكر حيحكموا علينا بسنة ولا سنتين يا أستاذ سيد؟ فأجابه العملاق سيد قطب: هو احنا سارقين معزة!!؟ ده دين يا صلاح.
🩸كان عمر النعمان خفياً تقياً ، جمع بين جنبيه شجاعة الأسود إذا اجتمعت وحياء العذارى إذا صوِّبت لهنَّ الأنظار ، قليل الحديث في غير فائدة ، عظيم الفعال في كل نائبة ، له من دماثة الخُلُق وطيب المعشر وشديد الأدب ما يعُز توفره بين الناس ، حاذقٌ حازمٌ حكيمٌ أريب ، شاغلٌ نفسه بعزائم الأمور ، وأبعد الناس عن الخنا وما قد يعيب ، وسبحان من ألقى عليه محبَّةً منه سبحانه حتى ما يملك من عرفه إلا أن يُحِبَّه.
🩸أمضى عمر النعمان أكثر من رُبع قرنٍ خِدمةً لقضية الدين والوطن التي كان يعرف مهرها .. تماً كما كان يعرفه سيد قطب ، فقبل سنواتٍ كان الشهيد في مُهمةٍ أمنيةٍ عسكريةٍ شاقَّةٍ ومُعقدةٍ خارج الوطن ، فاعتلَّت صِحَّته حتى أن جوفه كان يستفرغ الدماء من فيه ، وقد توسَّلت إليه القيادة أن يعود فيستشفي ثم يعود ليستكمل عمله ، فأبى عليه رضوان ربي أن يخذُل من معه حتى يُكمِل المهمة أو يُعذِرَ إلى الله في ذلك ، وقد كتب الله على أياديهم نصراً مؤزراُ ، والذين خالطوه من أهل تلك البلاد هم أعظم حُبَّاً وتقديراً لعمر النعمان من كثيرٍ ممن عرفوه في السودان ، والذين عرفوا عمر النعمان حق المعرفة يعلمون يقيناً أنه نال بهذه الشهادة ما سعى إليه حثيثاً وانتدب نفسه له دون تكليفٍ من أحد ، ولا نزكي على الله أحداً ، فما شهِدنا إلا بما عَلِمنا ، ويا لله كم فقد السودان في هذه الحرب من القادة العِظام ، وعجباً لهذه الأرض التي تفتأ تُنبِتُ القادة العِظام إثر القادة العِظام.
🤲🏻اللهم ارفع درجته والذين سبقوه من الأكارم في الشهداء ، واجمعنا بهم ياربنا في مستقر رضوانك .. اللهم وإن قصُرَت هِمَّتُنا عن هِمَّتهم ، فليسعنا امتنانك على إدراكهم بمحبَّتنا لهم .. اللهم وكما بلغ من عِظَمِ رحمتك أن آخيتنا بهم في الدنيا فلا تحرمنا رفقتهم في الآخرة ، وعجِّل اللهم بنصر جيشنا ومن ناصرهم ، وأبرِم لبلادنا قيادةً ربَّانيةً ، تقودها بأمر رُشدٍ .. يُعَزُّ فيه السودانيون ويُهدَى فبه ضالُّهم .. ويؤخَذ فيه على يد الظالمين.
*مضيتُم والخُطا مشدودةٌ نحو الشهادة*
*وبقينا نقرِضُ الشِّعرَ ونغتابُ القيادة*
٥ سبتمبر ٢٠٢٤م