قبل نهاية عهد مايو دخل الرئيس السابق جعفر نميري في مفاوضات طويلة مع المخابرات الأمريكية، واستجاب نظامه لكل الاشتراطات الأمريكية و زجَّ بمعظم قيادات الإسلاميين في السجون في أكبر اعتقالات تعسفية علي الإطلاق و لا يكاد إسلامي ناشط خارج زنازين ومعتقلات النظام المايَوي.
ومشي النميري مع الولايات الأمريكية المتحدة إلي أقصي درجات التعاون وكان قاب قوسين من التطبيع مع إسرائيل والاعتراف بالكيان الصهيوني.
استقبلت الخرطوم (جورج بوش) الأب نائب الرئيس ريغان، وطاف الرجل علي دوائر القرار و وضع ملاحظاته ثم رجع إلي واشنطون.
بعد أسابيع من الزيارة التي وُصفت وقتها بالتاريخية طار النميري إلي واشنطون حاملاً معه كتاب التنازلات، لكنها كانت الزيارة الأخيرة للرجل بل وكانت آخر عهده بالسلطة؛ فقد خرج عليه الشعب في إبريل وفتحت السجون السياسية وجرت محاكمات حقيقية كانت مفتوحة العامة.
خلف نميري كما هو معلوم في فترة انتقالية لم تتجاوز عاماً واحدا المشير (عبد الرحمن سوار الذهب)، وسافر هو الآخر الي واشنطون وأبلغهم بالتحوّل الديمقراطي المدني في السودان، وطلب إليهم المساعدة في انتشال الاقتصاد، وتقديم مساعدات ومنح وقروض لكنهم لم يفعلوا حتي تاريخ تسليمه الحكم لحكومة ديمقراطية مدنية تولّى أمرها زعيم حزب الأمة (الصادق المهدي).
المهدي وجد الموقف الأمريكي تجاه السودان وشعبه ثابتاً في التعنُّت بلا مبرر، و قرر الذهاب إلي البيت الأبيض، والتقي هناك بالإدارة النافذة وعاد الي الخرطوم بوعود وتعهدات مجمدة و وصل معهم إلي مرحلة قبوله إلغاء الشريعة الإسلامية، وحصد سراباً أوصله إلي عزلة دولية دفعته إلي الاتجاه إلى إيران وخلق علاقات مترددة وعينه الأخري علي أمريكا.
استلم البشير السلطة بانقلاب الإنقاذ وظلّت أمريكا في موقفها الثابت المتعنّت تجاه السودان.
سقط نظام الإنقاذ الوطني بشكل أو بآخر، وظلت أمريكا في موقفها الثابت؛ طلب مزيد من التنازلات ولعب بكل الأوراق.
و جاء البرهان و أعلن التزامه بتحوّل ديمقراطي تعود فيه السلطة إلي رئيس مفوض ومنتخب من الشعب السوداني والإدارة الأمريكية علي موقفها القديم؛ محاصرة الشعب السوداني ومعاداته علي الدوام.
الآن أمريكا تعود بذات الكتاب القديم، وتلعب علي كل الحبال بهدف واحد فقط هو الوقوف ضد مصالح الشعب السوداني.
لا يوجد تبرير للموقف الأمريكي سوى أنّها مع تغيير تركيبة السكان، وهو الهدف الذي تقاتل في سبيله مليشيا الدعم السريع المتمردة ومعاونيها من دول ومنظمات ومخابرات.
و الأمر هكذا، فإنّ الإدارات الأمريكية المتعاقبة الحالية والسابقة واللاحقة واقعة تحت تأثير شبكات معلومات يسارية معادية وخُلِقت لتعترض.
نواصل