مَاْذَا لَوۡ دُخِلَتۡ عَلَیۡهِم مِّنۡ أَقۡطَارِهَا … بقلم اللواء (م) مازن محمد اسماعيل

🟣 يروي الأستاذ علي بن مسعود المعشني عن صديقٍ مشترك روى له بأن بشار الأسد سأل بوتين عن لماذا لم تساند روسيا نظام القذافي في ليبيا كما فعلت روسيا في سوريا ، فأجابه بوتين لقد كان القذافي صديقاً ولم يكن حليفاً .. وهذه الإجابة تختصر حديثاً مطولاً عن العلاقات الدولية والتي تنبني على التحالفات الاستراتيجية وليس على سواها بما في ذلك المصالح ، فالمصالح الأوروبية الروسية أكثر من المصالح الأوروبية الأميركية ، ولكن حلف الأطلسي هو ما يجعل أوروبا تعادي روسيا وتقف مع أمريكا بعكس مصالحها.

🟣 بول برايمر الذي حكم العراق بعد سقوط صدام كان قد عقد مؤتمراً صحافياً في أواخر عهده بالعراق ، وفي إجابته عن سؤال أحد الصحفيين عن سبب تفضيلهم التعامل مع الشيعة بدلاً عن السنة أجاب بأن الشيعة لديهم عنوان واحد one address (مشروع واحد وقيادة مركزية) وهو ما لا يتمتع به السنة ، وما لم يقله برايمر أن هذه الخاصية تجعل من الشيعة قوةً لا يمكن تجاهلها ولا تملك أمريكا إلا أن تحترمها.

🟣 تركيا ومصر والسعودية دولٌ سُنِّية ، ولكلٍ منها مقومات قيادة العالم الإسلامي ، وتاريخياً كانت لهذه الدول هذه المكانة ، ولكن الدول السُّنية الثلاث انكمشت على نفسها شعوبياً ، وغرِقت في نفسها ذاتياً ، وذابت في المشروع الغربي بدرجاتٍ متفاوتة ، وأصبحت اليوم تلوم إيران على قيادتها للعالم الإسلامي في عالمٍ لا يحتمل الفراغ ، ومن اللافت للنظر أن مصر رفضت الانضمام للتحالف الذي تنشئه أمريكا للدفاع عن إسرائيل والذي يضم دولاً سنية على رأسها الأردن ، وباكستان أعلنت استعدادها لتزويد إيران بصواريخ شاهين ٣ متوسطة المدى.

🟣 ايران الشيعية دولةٌ لديها مشروع تعمل عليه منذ العام ١٩٨٠م ، وهذا المشروع بقدرِ ما جلب عليها من تحديات ، فإنه مكنها من صنع نفوذٍ امتدّ عبر القارات ، وجعل لها جيوباً في الكثير من دول العالم ، وتمكنت من تطويق إسرائيل (محور المقاومة) من عدة جهات ، وتطويق الجزيرة العربية من كل الجهات تقريباً ، وهذه الأطواق تأتي في ظلال تحالف استراتيجي لإيران مع الصين وروسيا وبيلاروسيا وكوريا الشمالية ، وقد لا تكون إيران هي فردوس المسلمين السنة ، ولكن موقفها في مناجزة الكيان الصهيوني كقوةٍ فرضت نفسها بدعمها المتصل للمقاومة الفلسطينينة .. قد التقى مع أشواق الشعوب الإسلامية قاطبة ، وحوجة المقاومة الفلسطينية لداعمٍ ونصيرٍ في زمانٍ عزَّ فيه ذلك من الدول السنية التي تراوحت مواقفها من المقاومة ما بين الإزورار عنها أو التآمر عليها.

🟣 من المعلوم أن طوفان الأقصى قد صفع السلام الإبراهيمي وصفقة القرن التي كانت ستقوم بتهجير سكان غزة إلى سيناء ، وذلك بغض النظر عن الموقف الرسمي أو الشعبي المصري `أو العرجاني`، ولكن ذلك بالتأكيد لن يعني أن الصهاينة تنازلوا عن خُططهم بعد أن أفلحوا في اجتثاث سكان غزة من منازلهم ولم يتبقى إلا دفعهم لاجتياز محور فيلادلفيا ، وهو ما يبقي احتمال تمدد الصراع المسلح إلى مصر وارداً بشكلٍ حمل الجيش المصري على نشر قواعد صواريخ تحت الأرض في سيناء .. ومصر الملتهبة جبهاتها على امتداد حدودها مع ليبيا والسودان ، وليس لها من حليفٍ استراتيجي سوى المُطبِّعين ، ولاتزال في موقف النقيض من ايران ، وعلاقتها بتركيا في مرحلةٍ دون الطموح ، وعينها على كيد إثيوبيا ، ومصرُ بعدُ في ظروفٍ غير مواتية اقتصادياً ولا سياسياً ولا دبلوماسياً ولا عسكرياً ، وهو ما تعلمه إسرائيل وربما تراهن عليه لاستكمال خطوتها الأخيرة في غمرة الأحداث القادمة ، ولو قدَّر الله وتجاوزت المنطقة هذه الأزمة الحرجة ، فإن دول المنطقة وعلى رأسها مصر ، ومن أجل تعزيز أمنها القومي ، واستعادة دورها القيادي .. ستكون معنيَّةً بشدة لإعادة النظر في منظومة تحالفاتها وعقيدتها السياسية وخططها المستقبلية.

⚫ في ٥ يونيو ١٩٦٧م قامت إسرائيل بهجومٍ مفاجئٍ على كلٍ من مصر وسوريا والأردن في آنٍ معاً ، وألحقت هزيمةً ساحقةً بالجيوش العربية ، وكانت نتيجة النكسة ابتلاع إسرائيل لفلسطين بالكامل وأجزاءاً من مصر وسوريا والأردن … والناظر اليوم لاستغلال نتينياهو لحالة الضعف في الإدارة الأمريكية العرجاء باختطافه قرار التصعيد والذي لا شك أنه يلقى دعم الدولة العميقة في الولايات المتحدة ، والذي تؤكده الحشود العسكرية الأمريكية غير المسبوقة في المنطقة (ثلاث حاملات طائرات بأساطيلها) ، وحالة الغياب والتواطؤ العربي والإسلامي ، مقروءاً مع الوضع الإقليمي ، وتصاعد حِدَّة الانتقادات لمصر في إسرائيل ، مع المنظور الصهيوأمريكي لجاهزية الجيش المصري حسب رؤية مركز كارنيغي الأمريكي … فإن كل الخشية على مصر التي جرى عزلها وتحييدها عن محيطها بشكلٍ ممنهجٍ ومُنظم ربما لفرضٍ واقعٍ عليها ما كان بالإمكان تحقيقه لولا تضافر كل هذه الظروف والأحداث ، ولا نملك إلا أن ندعو الله مخلصين أن يحفظ الله أرض الكنانة مما قد يُرادُ بها.

٧ أغسطس ٢٠٢٤م

Exit mobile version