وجه الحقيقة … أكتوبر شهر السلام و البشريات … بقلم/ إبراهيم شقلاوي

في هذا المقال نحاول تتبع شواهد الأحداث و تطورات المشهد السياسي السوداني عبر سؤال مفتاحي: هل بدأت تتشكل قناعات لدي جميع الأطراف الداعمة و المشجعة و الفاعلة في حرب السودان بعدم الجدوى منها و ضرورة الانتقال للسلام بعد أن فقدت أهدافها في الاستيلاء على الحكم و إعادة هيكلة الجيش السوداني و تشكيل المجتمع وفقاً للأيدلوجية السياسية المتماهية مع المحيط الإقليمي والدولي؟

علي أية حال نأمل أن يظل أكتوبر شهر السلام و التحولات و البشريات للسودانيين بحسب الشاعر العبقري محمد المكي إبراهيم: “كان أكتوبر في أمتنا منذ الأزل.. كان عبر الصمت و الأحزان يحيا.. صامداً منتصراً حتي إذا الفجر أطل” ، إذاً دعونا نمضي في الشرح و التحليل وفقا لذلك فإن الحل و إن كان مساره عسكرياً إلا أن الجانب السياسي لا يمكن تجاوزه لا لإيجاد غطاء شرعي أو قانوني للحل، و لكن لأن القوة العسكرية مهما بلغت مداها فإن حدودها ليس بالضرورة أن تضع الحلول أو تفرضها، بل هي مساعدة لفرض الواقع الذي يضمن الأمن و يستعيد السلام و ينتقل بالبلاد إلى اليوم التالي.

عليه و من خلال متابعاتنا للأحداث فقد شهد هذا الأسبوع تطورات لافتة ربما بعضها بعيداً عن أعين الإعلام لكن في مجملها ذهبت تجاه مساعي المملكة العربية السعودية و الولايات المتحدة الأمريكية و جمهورية مصر العربية تجاه وقف الحرب و تحقيق السلام في السودان، و كانت وزارة الخارجية الأميركية -حسب وكالات- أعلنت الأحد الماضي أن المبعوث الأميركي الخاص للسودان سيقوم بجولة تشمل السعودية و مصر وتركيا لمواصلة جهود إنهاء الحرب الدائرة بالسودان، واضح أن تركيا دخلت على الخط ضمن رؤية الحل نتركها لفطنة القارئ لعدم توفر معلومات.
جاء هذا الخبر حسب مراقبين ضمن مجهودات محمودة ظلّت تقوم بها الإدارة الأمريكية في محاولة للوصول لحلول في السودان تضمن بها تأثيرها السياسي على هذا البلد، و تدعم الديمقراطيين في انتخاباتهم المقبلة، بجانب الحد من الدور الروسي و الصيني في أي مقاربات محتملة مع الحكومة السودانية لا سيما بعد النشاط الواسع الذي قام به الرئيس السوداني عبد الفتاح البرهان خلال مؤتمر الصين و أفريقيا في مطلع سبتمبر الحالي الذي أستطاع فيه السودان الحصول على فرص واسعة لإعادة بناء مابعد الحرب بجانب الدعم الفني والعسكري الذي يُتوقّع أن يُحدِث تحولاً كبيراً لصالح الجيش السوداني في مقبل الأيام في حربه تجاه متمردي الدعم السريع التي أندلعت منذ منتصف أبريل من العام الماضي جراء محاولة انقلابية قامت بها هذه القوات للإستيلاء على الحكم بدعم إقليمي. هذا ما دفع المبعوث الأميركي الخاص للسودان (توم بيرييلو) الذي كانت أولى محطاته المُعلن عنها المملكة العربية السعودية أن يجرى لقاء الإثنين الماضي وصفه بـالرائع بالعاصمة السعودية الرياض مع (وليد بن عبد الكريم الخريجي) نائب وزير الخارجية السعودي حول الالتزام الأميركي السعودي المشترك بحل الأزمة في السودان و تنفيذ إعلان جدة، يبدو أن المبعوث الأمريكي الخاص للسودان توم بيرييلو أدرك مؤخراً أن الطريق المختصر لوقف الحرب و الوصول إلى سلام في السودان يمر عبر تنفيذ اتفاق جدة كما جاء تفصيلاً حسب الإعلان الموقع بين الجيش السوداني و قوات الدعم السريع المتمردة في الحادي عشر من مايو من العام الماضي بمدينة جدة السعودية برعاية الوسطاء المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية، على ضوء ذلك -حسب موقع أخبار السودان- فقد بدأت خلافات حادة بين (بيريللو) وتنسيقية القوى الوطنية (تقدم) بقيادة عبد الله حمدوك و ذلك بسبب موقف تقدم المتمسك بقوات الدعم السريع المتمردة؛ حيث رفضت الإدارة الامريكية أن يكون للدعم السريع أي دور سياسي أو عسكري في السودان. خصوصاً أن هناك حديث حسب مصادر أن الادارة الأمريكية شرعت في اجراءات عملية لإدانة هذه القوات جراء استمرارها في الانتهاكات الواسعة ضد الشعب السوداني.

كذلك من المرجّح أن يجتمع المبعوث الأمريكي للسودان توم بيريللو مع ممثلي القوى السياسية الداعمة للجيش غداً -الخميس- في محاولة لإيجاد مقاربة تجعل تنفيذ إتفاق جدة ممكناً مع ضمان قدر من التوافق السياسي بين القوى السياسية السودانية قاطبة في هذه المرحلة إستعدادا لليوم التالي من الحرب لتشكيل الواقع السياسي و الحكم المدني لا سيّما أن هناك حديث قاله مساعد القائد العام للجيش قائد العمليات العسكرية الفريق أول ياسر العطا خلال جولته التفقدية للجنود أمس “إنّ قائد الجيش سيظل على رأس الدولة حتى بعد الانتخابات لثلاث و أربع دوراتٍ انتخابية و أضاف إنّ جميع قيادة الدولة العسكرية و المدنية و السياسية متماسكة يداً واحدة” ، و في ذلك إشارة مُقلقة لبعض القوى السياسية و ربما للأمريكان الذين يرون أن الإبطاء و عدم التحرك الجاد في الوصول لحل في السودان ربما يمكّن للجيش و للقوى السياسية الداعمة له من الانفراد بالسلطة لا سيما أن هناك شعور عام لدى السودانيين أن الأمن و السلام بات في أعلى سلم الأولويات، و أن الديمقراطية لم تعد مطلباً مُلحّاً في ظل عجز الأحزاب على التوافق السياسي و اشتداد النزاع بينها حول السلطة دون الحرص علي تفويض إنتخابي.

كذلك في تطور لافت يدعم تحليلنا في أن القناعات باتت تتشكل للوصول لحل في السودان عقد وزيرا الخارجية السعودي (الأمير فيصل بن فرحان) و المصري (الدكتور بدر عبد العاطي) مؤتمراً صحفياً الثلاثاء في إطار الاجتماع الوزاري العربي، اتفقا على ضرورة تنفيذ اتفاق جدة كأساس لأي جهود إقليمية أو دولية للتسوية بشأن السودان، مؤكدين على أن الأزمة في السودان طالت و أن استمرار المعاناة الإنسانية قد بلغ المدى، كما أكّدا على أهمية تنفيذ منبر جدة الذي خرج بتفاهمات هامة و يبقى الآن أهمية تنفيذ هذه التفاهمات -في إشارة إلى أن الوضع فى السودان طال و لابد من الوصول إلى نهاية لهذه المعاناة- .

كذلك من المهم الإشارة إلى الاتصالات الواسعة التي أجراها وزير الخارجية السوداني (حسين عوض) ضمن فعاليات الاجتماع الوزاري العربي حيث التقى الدكتور (أحمد أبو الغيط) أمين عام جامعة الدول العربية بمباني جامعة الدول العربية بالقاھرة، و بحث جھود الأمين العام و مواقفه الداعمة لحل و معالجة قضايا السودان و دور الجامعة في الحفاظ على اللحمة العربية و تحقيق السلام في السودان.

كذلك التقى الوزير وزراء خارجية كل من اليمن، و البحرين، و العراق، و تونس، و الجزائر و وزير الدولة بالخارجية القطري، بحثت جميع هذه اللقاءات رؤية السودان لعودة الأمن و الاستقرار و تنفيذ إتفاق جدة وفقاً لخارطة الطريق التي تقدمت بها الحكومة السودانية عبر الوسطاء.

عليه يظل وجه الحقيقة بأن جميع هذه التحركات تدعم محاولات الوصول إلى حل للحرب في السودان، تمكّن السودانيين من إستعادة الأمن و الانتقال ببلادهم إلى مرحلة جديدة الذي نتوقع أن لا تتجاوز أكتوبر القادم فقد ظل أكتوبر في ذاكرة السودانيين شهر السلام و الوحدة و البشريات.
دمتم بخير وعافية..
الأربعاء 11 سبتمبر 2024 م. Shglawi55@gmail.com

Exit mobile version