وجه الحقيقة … إبراهيم شقلاوي… السودان ومصر إستراتيجية المصالح وتكامل الأدوار

كتب الزميل الصحفى السوداني عصام بطران بالأمس مشفقاً عن مؤامرة و فتنة تدور وقائعها خلف الكواليس للوقيعة بين السودان ومصر مع غياب التوضيحات الدبلوماسية حيث قال إن بعض الوقائع و الشواهد تؤكد أن هناك من يسعى إلى تنفيذ مخطط للتوتر الشعبي بين البلدين بعد أن فشلت حملة العداء الممنهج للسودانيين من بعض الناشطين المصريين التي كان مسرحها وسائل التواصل الاجتماعي، و إن نفس الجهات الإقليمية و المحلية التي دفعت المصريين النشطاء إلى تلك الحملات المسعورة تتحول الآن إلى الملعب الرسمي و الشعبي في السودان، الأخ بطران محق في أن هناك من يحاول العبث ليس بعلاقة السودان و مصر وحدها بل بعلاقة السودان مع أشقاء آخرين مثل المملكة العربية السعودية، لكن كل هذا العبث تكذبه شواهد التاريخ و الجغرافيا و الوجدان المشترك ليس بين الشعوب فحسب بل بين الحكومات أيضا؛ في الحالة المصرية لا نستطيع الفصل إطلاقاً بين الحكومة و النظام السياسي و الشعب و ذلك لأسباب كثيرة دعونا نراجعها بهدوء لتأكيد أن مصر هي مصر منذ الأزل و إلى الآن ظلت في وجدان الشعب السوداني و تياراته الاجتماعية و السياسية و المثقفين و الدارسين، هي الإمام محمد عبده، و سيد قطب، وعباس محمود العقاد، وسعد زغلول، والدكتور طه حسين، و مصطفى النحاس، و رفاعة الطهطاوي، و عبدالرحمن بدوي، و حسن و عبدالوهاب المسيرى وزكى نجيب محمود، و مصر ظلت عبد الناصر و السادات ومبارك والرئيس عبد الفتاح السيسي، مصر كما هي شعباً و حكومة ظل السودان حاضراً في وجدانها القومي الاستراتيجي مثلما ظلت هي حاضرة أيضا في وجدانه و حاضره و مستقبله بمختلف انتماءات أهله، ليس كجزء من الأمن القومي المشترك فحسب بل كجزء من التاريخ و الحضارة و الفن و المسرح و التعليم و الشاهد على ذلك حضارة وادي النيل و برديات التاريخ.

ظل الموقف المصري الداعم للسودان في حربه التي اندلعت في منتصف أبريل من العام الماضي بواسطة قوات الدعم السريع المتمردة بدعم إقليمي وغطاء سياسي من بعض القوى السياسية الداخلية، و الدليل على ذلك التقرير الصحفي الذي أصدرته أمس الأول – نيويورك تايمز- الذي يؤكد أن أمر الحرب في السودان يفوق حد الدور الذي طلب من قوات الدعم السريع المتمردة و تفكيرها و تفكير القوى السياسية الداعمة لها، الأمر قوى إقليمية تعمل على تسطيح الميدان السياسي و العسكري وفق مصالحها بعيداً عن مصالح الشعب السوداني، لذلك ظلت مصر الدولة الوحيدة مع الشعب السوداني التي تدرك حجم هذا المؤامرة، و تعلم أن هذه الحرب حلها الوحيد هو انتصار الجيش بأي وسيلة من الوسائل حتي يستقر أمر السلام مستقبلاً و تنعم البلاد بالأمن. عليه فقد ظل موقف مصر ثابتاً و داعماً للسودان لم تعتريه أي تغيرات منذ اللحظة الأولى، رغم الضغط الإقليمي تمسكت مصر بموقفها و أعلنته مراراً و تكراراً وظلت كذلك تؤكد على أن وحدة السودان و جيشه و شعبه خط أحمر. الأسبوع الماضي و في المؤتمر الصحفي الذي جمع في القاهرة بين وزير الخارجية الأمريكي بلينكن بوزير الخارجية المصري الدكتور بدر عبد العاطي الذي أعاد التأكيد على الموقف الثابت لجمهورية مصر العربية الداعم لوحدة السودان قال بأهمية وقف إطلاق النار في السودان و إدخال المساعدات الإنسانية الذي بات ضرورة ملحة، و الأهمية البالغة في عدم وضع الجيش السودانى الوطني مع أى أطراف أخرى و العمل على تعزيز دور الدولة السودانية في الحفاظ على وحدة السودان  السودانية. هذا التصريح المهم و الذي عده المراقبون يمثل رؤية واضحة واستراتيجية للحكومة المصرية قدمتها للضغط على الولايات المتحدة الأمريكية و على المجتمع الدولي في ضرورة إعادة تعريف الحرب و النظر إلى الجيش السوداني باعتباره يمثل شرعية الدولة، كذلك حديث الدكتور بدر عبدالعاطي عن محددات موقف مصر تجاه السودان و الذي يرتكز على دعم مؤسسات الدولة السودانية مشدداً في عدد من المنابر على حرص مصر على وحدة السودان و سلامته الإقليمية و رفض التدخلات الخارجية. ذلك الحديث المهم الذي قال به الجمعة الماضية في إجتماعه مع توم بيريلو المبعوث الأمريكي للسودان خلال زيارته الحالية للعاصمة الأمريكية واشنطن كذلك لايخفى علينا جهود مصر لحل الأزمة السودانية لا سيما استضافتها لقمة دول جوار السودان في يوليو (2023م)، ومؤتمر القوى السياسية و المدنية السودانية في يوليو (2024م) و مشاركتها الفعالة في مباحثات جنيف مؤخراً، كذلك استمرار مصر في فتح أبوابها أمام السودانيين الفارين من ويلات الحرب و فتح أبواب الإيواء و التعليم و العلاج أمامهم، كذلك التأكيد الدائم لمصر على أهمية قيام جميع المانحين الدوليين بالاضطلاع بتعهداتهم تجاه السودان لاجئين و نازحين.

لذلك يظل وجه الحقيقة في أهمية قفل باب المزايدة علي الموقف المصري تجاه بلادنا السودان بل يجب الذهاب بعلاقاتنا مع الدولة المصرية لأبعد مدى ممكنا بلا تحفظ ولا أرى في ذلك منقصة أو استعجالاً إذا تطلعنا لوحدة اندماجية بين البلدين، فقد نهض الاتحاد الاروبي بالاندماج بين دُوَلِهِ، ونهضت بعض دول القارة الأفريقية بالاندماج و ها هو العالم كله يمضي نحو الوحدة و الاندماج و التكتلات الإقليمية شاهد على ذلك، كما أن المتغيرات الجيوسياسية تحتم على السودان إعادة النظر في كل استراتيجياته القديمة فالعالم الآن يحسب للأقوي ألف حساب و القوة الحقيقية في وحدة الشعوب و تكامل مصالحها و أهدافها في النهضة و الاستقرار و السلام والتنمية. لذلك لا بد من تعزيز إستراتيجية المصالح و تكامل الأدوار بين السودان ومصر وقفل باب كل من يحاول إثارة الغبار أو يفتح باب المزايدات البائسة.
دمتم بخير وعافية..
الأحد 22سبتمبر 2024 م. Shglawi55@gmail.com

Exit mobile version