وجه الحقيقة … السودانيون يستعيدون دولتهم بعد إختطاف … بقلم إبراهيم شقلاوي

شهدت أروقة الأمم المتحدة تحركات واسعة و ذكية من الرئيس البرهان تجاه عدد من الدول الصديقة، و تجاه المنظمة الدولية و المنظمات الإنسانية والحقوقية، بالإضافة إلي مخاطبة الإعلام بقضية الحرب التي يخوضها الجيش السوداني بإسناد شعبي غير مسبوق منذ الخامس عشر من إبريل الماضي إثر المحاولة الانقلابية الفاشلة التي قامت بها قوات الدعم السريع مدعومة ببعض القوى الإقليمية و الدولية بالإضافة إلى غطاء سياسي داخلي وفرته بعض القوى السياسية بالبلاد حيث جاءت تحركات الرئيس البرهان في أروقة الأمم المتحدة للتأكيد على صمود الشعب السوداني في حربه تجاه القوات المتمردة، و فجيعته في المنظمة الدولية و عدد من الدول الشقيقة و الصديقة التي وقفت متفرجة تجاه الانتهاكات الواسعة التي تعرضت لها جراء الحرب من القوات المتمردة دون إدانة واضحة للتهديد الوجودي الذي تتعرض له الدولة السودانية، حيث ظلت مواقف السودان واضحة تجاه دعم الأصدقاء و الأشقاء في كل ما يتعرضون له من أزمات سواء كانت أزمات أمنية أو سياسية أو إنسانية، لكن من المؤسف كانت الاستجابة لما يحدث في السودان ضعيفة دون طموح السودانيين، لذلك وجدت اللقاءات التي قام بها الرئيس البرهان في نيويورك مع كل من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، و عدد من الرؤساء ولي عهد دولة الكويت الشيخ (صباح خالد الحمد المبارك الصباح)، الرئيس الإيراني (مسعود بزشكيان)، و رئيس جمهورية إفريقيا الوسطى (فوستين تواديرا)، والأمين العام للأمم المتحدة (أنطونيو غوتيريش)، و عدد من المنظمات الدولية و الحقوقية و الإعلاميين حيث تطرقت معظم اللقاء للعلاقات الثنائية وسبل دعم وتعزيز علاقات التعاون بين السودان و أصدقائه.

حيث أطلع رئيس مجلس السيادة الرئيس التركي على الجرائم و الفظائع التي ارتكبتها قوات الدعم السريع المتمردة الإرهابية في حق المدنيين و تدميرها للبنى التحتية في البلاد، مشيراً إلى استجابة حكومة السودان لنداءات السلام و مشاركتها في محادثات جدة و التي أفضت لتوقيع إتفاق جدة في (مايو ٢٠٢٣م)، وهو الإتفاق الذي لم تلتزم القوات المتمردة بتنفيذه. كما قدم البرهان شكره وتقديره لتركيا على دعمها المتواصل للشعب السوداني من خلال المساعدات الإنسانية المقدرة التي قدمتها للمواطنين المتأثرين بالحرب والسيول و الفيضانات، مشيداً بمواقف الجمهورية التركية المساندة للسودان في المحافل الدولية والإقليمية.

تطرق اللقاء مع ولي عهد الكويت للعلاقات التأريخية و الراسخة بين السودان و الكويت، وسبل تقوية علاقات التعاون بين البلدين الشقيقين. و أطلع رئيس المجلس السيادي ولي عهد الكويت على التحديات التي يواجهها السودان على خلفية التمرد الذي قادته قوات الدعم السريع الإرهابية ضد الدولة و مؤسساتها و استهدافها الممنهج للمدنيين مؤكداً إستجابة حكومة السودان لكل مبادرات السلام الرامية لإنهاء الحرب في السودان تأسيسا على إتفاق جدة الموقع في (مايو 2023م)، و أعرب عن شكره و تقديره للجسر الجوي الذي ظلت تسيّرُه دولة الكويت لتقديم العون و المساعدة للسودانيين المتأثرين بالحرب والسيول والأمطار.

أما في لقاء الرئيس الإيراني تطرق اللقاء للعلاقات المتطورة بين البلدين و سبل دعم آفاق التعاون الثنائي، و أطلع رئيس مجلس السيادة، الرئيس الإيراني على مجمل الأوضاع في السودان على خلفية تمرد قوات الدعم السريع ضد الدولة مؤسساتها مؤكداً تعاون الحكومة مع كل المبادرات الرامية لمعالجة الأزمة عبر الحوار، إلا أن تعنت القوات المتمردة حال دون ذلك مشيداً بمواقف الجمهورية الإسلامية الإيرانية الداعمة للسودان في المحافل الإقليمية و الدولية و مشيراً إلى علاقات التعاون الممتدة بين البلدين في كافة المجالات المختلفة. من جانبه إمتدح الرئيس الإيراني مسار العلاقات الثنائية بين البلدين و قال أن علاقات التعاون بين بلاده و السودان تحظى باهتمام كبير من القيادة في البلدين.

إلتقى كذلك برئيس أفريقيا الوسطى، و ذلك على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك، و تطرق اللقاء للعلاقات الثنائية بين البلدين و سبل دعم آفاق التعاون المشترك في مختلف المجالات خاصة و أن البلدين تربطهما حدود مشتركة يمكن أن تشكل فرصة حقيقية لتبادل المنافع والمصالح، و تناول اللقاء أيضاً التنسيق بين البلدين في محاربة المهددات الأمنية التي تستهدف أمن وإستقرار المواطنين في الدولتين حيث أمَّن الرئيسان على ضرورة تأمين الحدود المشتركة بين البلدين عبر تكثيف عمل نقاط التأمين على الحدود حتى لا تكون بؤرة لأنشطة المرتزقة و المتمردين و تُسهم في زعزعة الأمن و الإستقرار في كلا البلدين.

كذلك في لقائه مع الأمين العام للأمم المتحدة جاء الحديث عن الجرائم و الانتهاكات والفظائع التي إرتكبتها قوات الدعم السريع المتمردة في حق المواطنين الأبرياء، و استهدافها للبنيات التحتية و المستشفيات و المرافق العامة، مشدداً على ضرورة أن تجد مثل هذه الانتهاكات و الجرائم إدانة واضحة من المجتمع الدولي خاصة أنها تستهدف المدنيين العُزَّل، وأكد تعاون حكومة السودان مع المنظمات الدولية و الإقليمية العاملة في الحقل الإنساني و تقديم كل ما من شأنه تسهيل عبور القوافل الإنسانية و توصيل الإغاثة للمحتاجين. حيث دعا الأمين العام للأمم المتحدة إلى وقف الحرب و إنهاء معاناة السودانيين و العمل على انتهاج الحوار كوسيلة لحل النزاع في السودان.

وجدت هذه اللقاءات ارتياحاً واسعاً من الشعب السوداني إذ أنها مثلت في نظره الاتجاه الإيجابي تجاه التحالفات و العلاقات المنتجة التي تقوم على المصالح المشتركة.

الأبرز في مشاركة الرئيس البرهان في الجمعية العامة -حسب مراقبين- كانت كلمتة كرئيس لمجلس السيادة و قائد عام للقوات المسلحة -الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان- في أعمال الدورة ( ٧٩ ) للجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك مميزة، حيث أكد أن إرادة الشعـب السودانـي ستنتصر في هذة الحرب التي شنتها المليشيا الإرهابية المتمردة بتعاون و دعم دولى، و قال: “فإن خارطة إنهاء الحرب في السودان واضحة المعالم تتمثل في إنهاء العمليات القتالية و انسحاب المليشيا من المناطق التي احتلتها و شرّدت أهلها و تجريدهم من السلاح ليتمكن المواطنون من العودة إلى مناطقهم”، مشيراً إلى أن هؤلاء معتدين مهما وجدوا من دعم و مساندة مناشداً المنظمة الأممية وصف مليشيا الدعم السريع وصفاً حقيقياً بأنها قوة مسلحة تمردت على الدولة و ارتكبت جرائم ترقى لتصنيفها كجماعة إرهابية، و أكد على أهمية التحول الديمقراطي و حق الشعب السوداني في اختيار من يحكمه، و قال: “لذلك هي حريصة على الوفاء بالتزامها الأول الذي ضربته بعد ثورة ديسمبر المجيدة في (2019م) في تسليمها للسلطة لأي حكومة توافقية أو منتخبة).

في مجمل القول على الحكومة أن تعلم حسب الرأي العام للسودانيين ليس هناك مواقف مجانية مع أي من الدول؛ يجب أن تُقدَّم مصالح البلاد فوق كل اعتبار، كما يجب عليها قفل الباب أمام من لا يحترمون تاريخنا و لا يحترمون خيارات شعبنا. الشعوب في العصر الحديث قد انعتقت من التبعية لذلك أصبحت وحدها تحدد من يحكمها بأي توجه أو برنامج . فالشعب السوداني ظلت خياراته تحرسها قِيَمُه وموروثاتُه، و هي الضامن لوحدته و وحدة نسيجه الاجتماعي، لذلك دعونا نبني نهضتنا كيفما نريد دون إقصاء لأحد و دون إعلاء فكرة علي أخرى إلا عبر صناديق الانتخابات، دعونا من أوهامكم التي تريدون فرضها علينا عبر ما تسمونه مصالحكم في بلادنا تعملون عبرها على مصادرة إرادتنا و حقنا في الإختيار والعيش الكريم. آخر القول أن من أشعل حرب السودان تحت أي لافتة أو ذريعة فلا مكان له في مستقبلنا السياسي. هكذا هي رسالة الشعب السوداني، و هكذا عقد العزم حين يتذكر الشعب السوداني استدعاء البعثة الدولية برئاسة فولكر بليل ثم دستور المحامين ثم الاتفاق الإطاري ثم خياراتهم التي طوروها إلى أن انقلبوا على الحكم يتذكر أننا كنا أمام ارتهان كبير لبلادنا و لإرادة شعبنا إلى أن أورثونا هذه الحرب، كانوا و داعميهم يخططونها لابتلاع الدول و اختطاف الوطن و الشعب. لذلك يظل وجه الحقيقة في أهمية الاصطفاف الوطني وفق معايير الانتماء الحقيقي لهذا البلد، على أن يكون التمييز بين الأحزاب من واجبات الشعب السوداني التي يقرها عبر صناديق الانتخابات. هذه الخطوات هي الضامن الأوحد لتجاوز الخلافات و العودة للسلام و الأمن والممكّنة للسودانيين من استعادة دولتهم بعد اختطاف.
دمتم بخير وعافية.
الجمعة 27 سبتمبر 2024 م. Shglawi55@gmail.com

Exit mobile version