وجه الحقيقة … الطريق إلى جنيف يمر عبر جدة … إبراهيم شقلاوي

من الواضح أن مباحثات السلام المرتقبة بين الحكومة السودانية ومتمردوا الدعم السريع في جنيف السويسرية في الرابع عشر من أغسطس الجاري تمر بتعقيدات كبيرة نحاول في هذا المقال التوضيح و تفكيك المشهد حتى يبدو الأمر جلياً للمتابعين.

أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية منذ بدء الحرب في الخامس عشر من أبريل من العام الماضي عبر وزير خارجيتها (بلينكن) أنها سوف تقف بجانب الشعب السوداني في محنته لأجل وقف الحرب، كما أعلن المبعوث الأمريكي (توم بيريلو) مؤخراً عبر برنامج (تنوير) الذي يقدمه الزميل سعد الكابلي أنه لا مكان للدعم السريع في مستقبل السودان، وأن مباحثات جنيف بسويسرا سوف تُبني على ما تم الاتفاق عليه في جدة، وأن منبر جنيف منبر يُعني بالترتيبات الأمنية المتعلقة بوقف الحرب والعملية الإنسانية وغير مطروح مسار سياسي لإشراك الأحزاب السياسية. هذا الحديث الواضح ربما يفتح باباً للأمل بأن الامريكان جادُّون هذه المرة في الوصول إلى سلام في السودان، على الأقل لحفظ المصالح المشتركة بالرغم من أن كثير من السودانيين لا يثقون في التصريحات أو المواقف الأمريكية ويقولون إن الولايات المتحدة الأمريكية ظلت تخذلهم في كثير من المواقف.

في جانب المسار السياسي من الواضح أنه أُسند للإتحاد الإفريقي الذي بدأ في إجراء ترتيبات سياسية واسعة خلال الفترة الماضية، إلتقى خلالها في جولة أولى أحزاب الكتلة الديمقراطية في يوليو الماضي، و يلتقي اليوم أحزاب تنسيقية القوى المدنية تقدم في الجولة الثانية من الإجتماعات التحضيرية للحوار السوداني-السوداني الذي يُتوقّع إتمامُه داخل السودان بمشاركة كافة الأحزاب السياسية لقفل الباب على أي تكسب سياسي محتمل من أي من الكتل أو الأحزاب السياسية.

هذا المشهد يجعل أمامنا خارطة طريق واضحة المعالم، وهو ما كان يؤكد عليه ويدعمه كثير من المراقبين فصل المسار الأمني والانساني عن المسار السياسي وأن يكون لكل مسار منبره لتسهيل الوصول إلى حلول منتجة لوقف الحرب. ولليوم التالي.

بالرغم ما يبدو عليه الأمر من وضوح إلا أن هناك تحفّظات وهواجس مبرّرة أعلنت عنها الحكومة وهي تدرس قبول الدعوة إلى مباحثات جنيف متعلقة بأهمية التأسيس على منبر جدة، و الإعتراف بشرعية الحكم القائم في السودان، ودور الوسطاء والمراقبين ولقاء مع الجانب الأمريكي للاتفاق حول أجندة التفاوض، كل ذلك نُقل بوضوح وبصورة مباشرة للأمريكان وتمت الإجابة عليه أو فلنقل الموافقة على كل التحفظات والهواجس التي أبدتها الحكومة السودانية.

بالأمس كشفت صحيفة الشرق الأوسط عن موافقة وزير الخارجية الأمريكي (بلينكن) على طلب الحكومة السودانية بعقد لقاء ثنائي بينهما قبل انعقاد مفاوضات جنيف بسويسرا، وقالت الشرق الأوسط إن (بلينكن) اقترح مكان اللقاء سويسرا، لكن الرئيس (البرهان) رأي عقده في جدة السعودية التي استضافت المفاوضات السابقة بين الجيش وقوات الدعم السريع هذا اللقاء يحسم آخر مطالب الحكومة السودانية المتعلق بضرورة الإجتماع للاتفاق حول ألاجندات المتعلقة بمباحثات جنيف.

هناك إشارات مهمة أن يتم الإجتماع في جدة؛ ففيه تأكيد واضح على أن الحكومة السودانية مازالت تحصد في النقاط لصالح مشروع السلام لأجل المحافظة على الجبهة الداخلية من الانقسام حول الذهاب إلى جنيف من عدمه، لذلك تريد أن تكون المملكة العربية السعودية حاضرة لجميع تطورات ملف السلام ووقف الحرب، وذلك لعدة اعتبارات الأول: أن السعودية تتمتع بثقة كبيرة لدى الشعب السوداني وحكومته، بجانب أنها كانت قد بادرت فور اندلاع الحرب الي الدعوة لمنبر جدة لحقن دماء السودانيين، هذا بالإضافة إلى الثقل السياسي والدبلوماسي الذي تتمتع به المملكة في المحيط الإقليمي والدولي الذي بإمكانه أن يوفر ضمانات كافية لتنفيذ أي إتفاق يتم التوصل إليه بين الجيش وقوات الدعم السريع المتمردة.

هناك تطور مهم يجب أن نقف عنده أيضاً؛ -و هو ضمن حصد النقاط كذلك لصالح الحكومة- تمت تسريبات بأن وفد مشترك مدني عسكري سوف يشارك في إجتماعات جدة مع الجانب الأمريكي برئاسة وزير المعادن (بشير أبو نمو)، والسفير السودانى (دفع الله الحاج)، ومفوض العون الإنساني (سلوى بنية) بجانب وفد عسكري برئاسة اللواء محجوب بشرى، اللواء أبو بكر فقيري والمقدم طلال سليمان و هو ذات فريق التفاوض الذي أنجز اتفاق جدة.

كذلك من المؤكد أن ذات الوفد سوف يكون وفد التفاوض في جنيف أيضاً ربما يُضاف إليه لاحقاً رئيساً يرجح أن يكون الفريق كباشي إذا تماثل للشفاء أو نائب الرئيس مالك عقار الذي يزور جمهورية موزمبيق هذه الأيام في زيارة وصفت بأنها تنسيق أدوار بالرغم أن المراقبين يرونها زيارة يكتنفها الغموض لكن في النهاية أرى أنها تخدم قضية وقف الحرب واحلال السلام.

كذلك وارد أن يتم إعتماد أبو نمو لرئاسة وفد الحكومة إلى جنيف .. فالرجل له مقدرات جيدة في التفاوض كما يتمتع بعلاقات إقليمية ودولية مميزة هذا .. بالإضافة إلى أن الرجل يمثل حركات سلام جوبا.. حيث طالب أركو مناوي مؤخرا بضرورة اشراكهم في اي تفاوض قادم لتحقيق السلام.

عليه فإن مفاوضات جدة مع الأمريكان والتي يتوقع أن تنطلق مطلع الأسبوع القادم من الأهمية أن تخرج بخارطة طريق واضحة حول القضايا المراد بحثها في جنيف إنطلاقا من قاعدة التأسيس على اتفاق جدة الموقع مع المتمردين، حيث يتوقف على نتائجها اتخاذ الحكومة السودانية قرار المشاركة من عدمه في محادثات جنيف التي ربما تتدحرج قليلاً إلى الأمام عن موعدها في الرابع عشر من أغسطس إلى أسبوع آخر يمكّن من إحكام التنسيق حتى تخرج بالنتائج المأمولة، و التي يعتقد البعض إذا توصلت جنيف إلى التزام الداعمين للتمرد بوقف الإمداد بالسلاح والمعدات العسكرية و استعواض الجنود سوف يكون ذلك انجازاً مقدرا لصالح السلام، فضلاً عن وقف شامل للحرب والعودة للعملية السياسية، لذلك الطريق إلى جنيف يمر عبر جدة لذلك أرجو أن يكون طريقا سهلاً يمكّن من الوصول إلى سلام عادل يمكّن من عودة الأمن والأمان للشعب السوداني الذي تحيطه النكبات من كل جانب.
دمتم بخير وعافية.
9/أغسطس /2024 م. Shglawi55@gmail.com

Exit mobile version