من الواضح أن تنسيقية القوى المدنية ‘تقدم’ تمثل توجهاً يسعى إلى تقويض سيادة البلاد بإدخال قوات دولية على حساب القضايا الوطنية الاستراتيجية دون النظر لتاريخ التجربة السياسية السودانية التي ظلت تنأى عن أي مشروعات استعمارية لحكم البلاد أو الوصاية عليها، ما تقوم به تقدم كان واضحاً منذ استدعاء عبد الله حمدوك في يناير (2021) م البعثة الأممية برئاسة فولكر بيرس ما جعل الإجراءات التي ظلوا يقومون بها خلال فترة حكمهم انعكاساً لأجندات خارجية شكلت خطرا على البلاد.
كما ظلت مواقفها السياسية متماهية مع المشروع الأجنبي منذ دخولها النادي السياسي السوداني عقب سقوط نظام حكم البشير، حتى أدخلوا البلاد في الحرب عبر سيناريو الإنقلاب الفاشل الذي عبّر عن خياراتهم المطورة أمام من كانوا يعرقلون تنفيذ الإتفاق الإطاري الذي هو أيضا أحد التجليات الاستعمارية إلى جانب دستور المحامين الذي كانوا يريدون أن يحكموا به البلاد دون تفويض انتخابي في أسوأ تجربة سياسية في تاريخ السودان الحديث.
بعد أن فشلت خطة الإنقلاب انتقلوا لدعم تمرد الدعم السريع بصورة مباشرة و وقعوا معه فبراير الماضي اتفاقاً في أديس أبابا جعلهم الذراع السياسي حيث كانوا يظنون في ذلك الحين أنه اقترب من حسم الحرب لصالحه، إلا أن أقدار الله ذهبت بغير ما يشتهون، بعد أن توحد الشعب السوداني و انحاز إلى قواته المسلحة السودانية لحماية البلاد من المخطط الاستعماري، بذلك انهارت الخطة الأولى فأصبحت (تقدم) تبحث عن خطة ثانية تحت مبررات حماية المدنيين إنهارت أيضا الخطة الثانية الأسبوع الماضي، عقب انتهاء جلسة مجلس الأمن بسحب قرار الولايات المتحدة الأمريكية و بريطانيا و فرنسا و بعض الحلفاء الإقليميين مشروع القرار المتعلق بالبند السابع الذي ينص على إرسال قوات دولية إلى السودان.
قبيل انطلاق الجلسة بعد أن هددت كل من روسيا و الصين باستخدام حق النقض “الفيتو”، و بناءً على ذلك، أُعلن تأجيل طرح مشروع القرار حتى أكتوبر (2025م) ، و هو ما اعتبره المراقبون كافياً لتغيير الأوضاع في السودان و ربما لحسم الحرب و استعادة الأمن و السلام بالنظر إلى العمليات العسكرية الواسعة التي تشهدها كافة المناطق و الحصار المطبق على التمرد الذي بدأ يعطي ثماره.
بالرغم من ذلك وفي خطوة غريبة اعتبرها المراقبون سقوط أخلاقي وسياسي جديد لتقدم أعلن أول أمس نائب رئيس حزب المؤتمر السوداني و عضو أمانة التنسيقية (خالد عمر يوسف) عبر قناة الجزيرة مباشر عن المطالب التي طرحها رئيس التنسيقية عبد الله حمدوك على المسؤولين في الحكومة البريطانية و مجلس اللوردات التي تقوم على أهمية إرسال قوات دولية لحماية المدنيين، و قد أوضح يوسف خلال حديثه أنهم قد التقوا بالمسؤولين في بريطانيا ، التي تعتبر حاملة القلم للسودان في مجلس الأمن الدولي و سترأس الدورة الحالية للمجلس، لبحث قضايا السودان. كذلك من بين المطالب التي طرحها (حمدوك) و (يوسف) كانت طلب إقامة مناطق آمنة في السودان يمكن أن تحمي المدنيين وتكون خالية من السلاح و المظاهر العسكرية.
كما طالبوا بحظر السلاح و الطيران في البلاد، و هو موقف يثير الكثير من التساؤلات و الاستغراب حول السيادة الوطنية. هذه المطالب تمثل دعوة للتدخل الدولي في السودان، و هي تعتبر بمثابة الخطة الثالثة لفرض الإرادة الدولية على الشعب السوداني و ليس لحمايته كما يزعمون من الواضح أن (تقدم) تريد أن تنفذ أجندة داعميها بأي ثمن حتى لو على حساب سيادة الدولة السودانية تحت لافتة عدم تمكين الجيش من الحكم.
هذا الموقف يشير إلى استمرار الصراع السياسي و يظهر تنسيقية تقدم بانها تسعى لتحقيق أهدافها السياسية على حساب الشعب السوداني من خلال استغلال المحافل الدولية بدعم حلفاؤهم الإقليميين الذين ساندوا إشعال هذه الحرب لذلك يجب على المسؤولين في الحكومة السودانية أن يأخذوا بعين الاعتبار المخاطر و التحديات التي قد تنجم عن الدفع بهذا الملف من جديد داخل مجلس الأمن، فإن الإصرار على التدخل الدولي الذي تغلفه (تقدم) بأنه لصالح المدنيين ما هو إلا سيناريو جديد ضمن السيناريوهات المتعددة التي ظلت تحيكها لإيجاد موطئ قدم في العملية السياسية في اليوم التالي للحرب بعد أن وصلتهم رسائل الشعب السوداني أنهم مُطالبون بالاعتذار عن الحرب ومن ثم الذهاب إلى محاكمات عادلة لدفع الاتهام.
عليه أرى من الضرورة إيجاد حلول محلية للأزمات الداخلية المتعلقة بالحوار السياسي بين الأحزاب السياسية الوطنية دون الاعتماد على الدعم الدولي الذي قد يعرض البلاد للمزيد من الانقسام و الصراعات، كما أؤكد وفقاً ل(وجه الحقيقة) أن تجليات الصراع السياسي في بلادنا تكشف عن جوانب مخزية في استخدام الأدوات المتاحة لإحراز النقاط على حساب الوطن و الشعب، فإننا ندعو إلى ضرورة التوافق الوطني لأجل تعافي العملية السياسية، طالما ظل الأمر كذلك سوف لن تتخلي (تقدم) عن دعمها لتمرد الدعم السريع و الاستنصار بالأجنبي، كما لن تتخلي الأحزاب السودانية الوطنية عن محاولاتها المستمرة لإخراجها من مستقبل العملية السياسية و بين ذاك و تلك يظل الناشطون يُذكُون نار الصراع دون النظر لأهمية إستعادة الأمن و تحقيق وحدة البلاد.
دمتم بخير وعافية.
الإثنين 4 نوفمبر 2024م. Shglawi55@gmail.com