وجه الحقيقة … ثلاث سيناريوهات محتملة لنهاية حرب السودان … بقلم/ إبراهيم شقلاوي

تمر حرب السودان التي اشتعلت في منتصف أبريل من العام الماضي جراء انقلاب عسكري بواسطة مليشيا الدعم السريع بدعم إقليمي و إسناد محلي من بعض القوى السياسية اليوم بمرحلة حاسمة حيث تتجه الأمور نحو نهاية محتملة نحاول قراءتها في هذا المقال بعد مرور كل هذا الوقت على اندلاعها الذي أودى بحياة العديد من الأبرياء و تسبب في معاناة كبيرة للسودانيين، بينما يبذل الجيش السوداني جهوداً كبيرة لاستعادة الأمن و تحقيق السلام عليه فقد بات من الواضح أننا نتجه إلى ثلاث سيناريوهات محتملة لنهاية الحرب.

السيناريو الأول: يتضمن استمرار الجيش في العمليات العسكرية حتى يستعيد السيطرة و يبسط الأمن و يقر السلام، رغم وجود تأييد شعبي لهذا الخيار إلا أنه قد يستغرق وقتاً طويلاً و يزيد من تدهور الوضع الإنساني في البلاد كذلك تعتبر الكلفة العالية لهذا السيناريو تحتاج إلى مزيد من الصبر و الموارد الاقتصادية و التضحيات بالنظر إلى التحديات التي تواجه الناس في الخدمات و المعاش والصحة و التعليم إلى جانب الوضع الاقتصادي المتردي و الاجتماعي المتدهور بسبب النزوح و اللجوء في عدد من البلدان.

أما السيناريو الثاني فهو احتمالية الانهيار المفاجئ للمليشيا نتيجة الاحباط الذي تعيشه و الضغط العسكري الهائل الذي تتعرض له، وفقدانها لعدد من القادة الميدانيين، و تباعد خطوط الإمداد و انعدام السيطرة من قبل قيادتها المركزية، بجانب غياب الهدف الواضح من استمرارها في العمليات العسكرية في ظل تساقط جميع الأهداف المعلنة صبيحة (15) أبريل و التي كانت السيطرة على قيادة الجيش و تحييد قائده ثم استعادة الديمقراطية و محاربة الفلول و القضاء على دولة (1956). كل تلك الأهداف تبدّدت بصمود الجيش و تكتيكاته العسكرية، كما كذّبتها وقائع الانتهاكات الوحشية التي ظلت تقوم بها المليشيا ضد الشعب السوداني في كل مكان وطئته أقدامها.

السيناريو الثالث يتوقع استعادة الأمن والسلام عن طريق الضغوط الدولية على المليشيا، خاصة بعد تورطها في ارتكاب جرائم وصفت بأنها جرائم حرب و جرائم ضد الإنسانية في ولايتي الجزيرة و دارفور التي أثارت استياء المجتمع الدولي و جلبت إدانات واسعة، هذا السيناريو و الذي بدأ يتشكل بوضوح خلال الفترة الماضية من خلال تصاعد الإدانات الدولية و النشاط الدبلوماسي للحكومة السودانية التي عكست الجرائم الوحشية التي ظل يقوم بها التمرد في قرى الجزيرة ودارفور و ولاية الخرطوم عبر القصف العشوائي للمواطنين، حيث اجتمعت على الإدانات عدد من الدول الشقيقة و الصديقة، و جامعة الدول العربية، و المنظمات الإقليمية و الدولية، بجانب أمريكا و الاتحاد الأوروبي و مؤسسات و شخصيات دينية.

هذا النهوض المفاجئ للمجتمع الدولي ربما يجعل هذا السيناريو أقرب للتحقق حسب مراقبين خصوصاً في ظل وجود إتفاق جدة للترتيبات الأمنية و الإنسانية الموقع في (11) مايو من العام الماضي، و الذي ظلت المليشيا تماطل في تنفيذه، فقد باتت الفرصة أمام المجتمع الدولي واسعة للضغط على المليشيا و داعميها بعد أن تشكّل رأي عام ربما يمضي بقوة تجاه تصنيفها منظمة إرهابية، لا سيما حربها أصبحت موجهة بصورة مباشرة تجاه المواطن الأعزل و رأينا ذلك في عدد من الولايات وثّقته كاميراتهم و وثّقته تقارير المنظمات الحقوقية و الإنسانية التابعة للأمم المتحدة.

وفقاً لهذا السيناريو يمكنا القول أن طي ملف المليشيا و القضاء عليها لم يعد مسألة قانونية و سياسية فحسب، بل أخلاقية أيضا بما تسبب فيه من إحراج لأطراف دولية و إقليمية كانت حتى وقت قريب تحاول الإبقاء عليها ضمن المشهد السياسي و العسكري عبر تسوية ما، الآن بات ذلك من الماضي هذه الحقيقة لم تدركها قيادة المليشيا و داعميها من تنسيقية تقدم التي ما زالت تصر على منح الغطاء السياسي و الإعلامي لها.

وفاء للشراكة التي وقعتها في أديس أبابا فبراير الماضي فيما عرف بإعلان المبادئ، و التي لم تنتج التزاماً بما تم فيه من تعهدات، هذا الأمر وجد احتجاجاً واسعاً من قِبل الجماهير التي حاصرت قيادة (تقدم) أول أمس في لندن حين أقامت لقاء لمناصريها، يرى مراقبون أن إصرار (تقدم) المضي في هذا الإتفاق يعتبر بمثابة شهادة وفاة يصعب بعدها عودتها للعمل السياسي، و ذلك بالنظر للاحتجاجات الواسعة التي قوبلت بها داخل و خارج القاعة من أفراد الجالية السودانية في لندن و الذين نجحوا في إحراج (تقدم) و في إيصال صوت الضحايا السودانيين الذين تضرروا من إنتهاكات التمرد.

بغض النظر عن السيناريو الذي قد يتجه نحوه الوضع في السودان، فإن الأهم في النهاية هو السعي نحو السلام و الانتقال نحو بناء مستقبل أفضل للبلاد، عليه ندعو من خلال (وجه الحقيقة) جميع الأطراف الفاعلة في هذا الصراع أن تتوحد و تتفق على حل يعيد الاستقرار و السلام إلى السودانيين، و أن تتجاوَز الخلافات السياسية لمصلحة الوطن و المواطنين. كذلك على المجتمع الدولي و المنظمات الإقليمية و الدولية أن تدعم الجهود الرامية لإستعادة الأمن و الاستقرار في السودان باتخاذ القرارات و الإجراءات الرادعة ضد المليشيا المعتدية.
دمتم بخير وعافية .
السبت 2 نوفمبر 2024 م. Shglawi55@gmail.com

Exit mobile version