وجه الحقيقة … حرب السودان تدخل مرحلة جديدة … بقلم/ إبراهيم شقلاوي

كنا قد ابتدرنا مقالنا السابق بتفاؤل حذر بعد قراءة لعدد من شواهد الساحة السياسية و بعض التسريبات، كنا آملين أن تخرج المباحثات بين وفدي الحكومة السودانية و الولايات المتحدة الأمريكية في جدة إلى نتائج إيجابية تساعد في استجابة الحكومة لمنبر جنيف لإنهاء الحرب إلا أن وزير الإعلام (جراهام عبدالقادر) كشف فى بيانٍ له عبر تلفزيون السودان عدم مشاركة السودان فى مفاوضات جنيف لعدد من الأسباب أجملها في عدم إلتزام الجانب الأمريكي بتنفيذ مقررات جدة في مايو (2023)م،  و إصرار الجانب الأمريكي على مشاركة دولة الأمارات كمراقب ذلك الذي ترفضه حكومة السودان التي ما زالت تنتظر رد مجلس الأمن حول طلب جلسة لمناقشة ضلوعها في تمويل الحرب لصالح التمرد، كذلك عدم توضيح مبرر مقنع لإنشاء منبر جديد خلاف منبر جدة الذي وصل فيه الجيش إلى اتفاق ملزم مع قوات الدعم السريع المتمردة بإخلاء الأعيان المدنية وبيوت المواطنين وفتح مسارات آمنة لإيصال المساعدات الإنسانية.

للأسف هذا الواقع يسنده خلاف كبير في الداخل السوداني حيث ما زالت أطراف العملية السياسية في السودان تحاول الاستثمار في الحرب و التكسب السياسي منها مما خلق واقع شديد التعقيد للوصول إلى سلام، يصعب معه تجنيب البلاد احتمالات المواجهة مع المجتمع الدولي الذي بدا واضحاً انحيازه لعملية سلام شاملة لا تتجاوز قوات الدعم السريع المتمردة وداعميها في تنسيقية تقدم و التي تمثل طرفاً أصيلاً في اندلاع الحرب التي تفجرت في (15) أبريل من العام الماضي جراء المحاولة الانقلابية الفاشلة التي قادتها هذه القوات المتمردة، بالرغم من ذلك استطاعت تنسيقية تقدم بصورة أو بأخرى أن تقدم نفسها للمجتمع الدولي باعتبارها تمثل رمزية الحكم المدني متكأة على رصيد من العلاقات المشبوهة والطامعة، و المساندة من طرف خفي للانقلاب نفسه  والدليل التوصيف المُخل الذي وصفت به الحرب أنها بين جنرالين، و الانحياز الواضح للتمرد الذي أفشلت كل محاولات الحكومة في إدانته وتوصيفه بالمليشيا رغم الإدانة الدولية من عدد من المنظمات الإقليمية والدولية..بالمقابل هناك غياب ظاهر للأحزاب والكيانات السياسبة الوطنية الداعمة للجيش على الساحة الإقليمية والدولية. هذا الغياب شكل عليها ضغط كبير وعلى مشروعها السياسي كذلك على الجيش في حربه ضد التمرد، حيث فشلت هذه القوى في تقديم نفسها بصورة جيدة للمجتمع الدولي لخدمة القضية الوطنية بالرغم من وجود قيادات في صفوفها مؤثرة و فاعلة لها رصيد جيد من الخبرة والعلاقات الخارجية.

أيضاً هناك غياب للتيار الإسلامي المساند للجيش من الساحة الدولية لم يستفد حتى الآن من علاقاته الخارجية كما متوقع، حيث كان بإمكانه توظيفها لصالح دعم الجيش بصورة أكثر تأثيراً إلا أنه بدا متحفظاً حذِراً لقفل الباب أمام الاتهامات التي تربط بينه وبين اندلاع الحرب، و اكتفي بالدفع الداخلي عبر استنهاض شبابه والشباب السوداني للدفاع عن البلاد أمام الانتهاكات الواسعة التي يقوم بها التمرد ضد المدنيين في عدد من القرى والمدن السودانية.

إذا سألت كل هذه الكيانات الوطنية السياسية عن هذا الغياب من المحيط الإقليمي و الدولي سيقولون لك أنهم لا يسمعون لنا لأنهم بالأساس يعلمون أننا لسنا ضمن مشروعهم الهادف لتفكيك البلاد والتحكم في قرارها، إذاً عليكم بالبحث عن من يستمع لكم، هناك من يؤمنون بعدم التدخل في الشأن الداخلي للدول والشعوب، ويعرفون كيف يتم تبادل المنافع والمصالح لفائدة الجميع، هذا الاختلال في التأثير الخارجي بين المجموعتين والذي يجب تداركه اليوم قبل الغد أوجد ضغط كبير على القوات المسلحة السودانية، وجعلها كمن يبدو معزولاً خارجياً لأن التواصل الخارجي السياسي بالأصل من صميم دور الأحزاب السياسية التي تمثل الحاضنة الوطنية للجيش في هذه المرحلة الصعبة.

في جانب آخر وصفه مراقبون بالتحضير للمرحلة المقبلة وفي تطور مهم اجتمع عضو مجلس السيادة مساعد القائد العام الفريق مهندس بحرى إبراهيم جابر مع سفراء روسيا، و الصين و قطر، أكد جابر خلال الاجتماع تمسك الحكومة بإتفاق جدة الموقع في (11 من مايو 2023)م وضرورة تنفيذ الالتزامات الواردة فيه، و قدم لهم شرحاً مفصلاً حول الأوضاع فى السودان والجهود التى تقوم بها الحكومة السودانية من أجل احلال السلام والاستقرار بالبلاد، كذلك أشار إلى أن الحكومة تسلّمت موخراً دعوة من وزير الخارجية الأمريكي للمشاركة فى مفاوضات السلام بجنيف، وقدم رؤية السودان لاستئناف أي محادثات من شأنها الوصول إلى سلام. و أكد المجهودات التى قامت بها الحكومة لتسهيل عمل المنظمات الدولية التي تقدم المساعدات الإنسانية للمتضررين من الحرب خاصة فيما يتعلق بتأشيرات الدخول وفتح المعابر وأذونات العبور والجمارك، عليه يرى المراقبون أنه بات من المهم أن يتناغم العمل السياسي مع العسكري مع التعبئة الجماهيرية لإسناد خيارات الحكومة الداعية إلى الالتزام باتفاق جدة كمدخل لاحلال السلام، و لتغيير مفهوم سلطة الأمر الواقع التي يسعى البعض إلى تكريسها و حتي لا يتم تعقيد المشهد السياسي أكثر مما هو معقد.

كذلك هناك إجراءات مهمة يجب القيام بها بما أن السلطة الآن هي للجيش الذي يجد تأييد شعبي واسع،لماذا لا يمضي في تعيين حكومة مستقرة بدلاً من المكلَّفة انطلاقاً من هذا التأييد؟ على الأقل تستطيع ملء الفراغ السياسي و لتتقدم للتعامل مع المجتمع الدولي، وتكون هذه إحدى أهم الخطوات التي يمكن أن تواجه بها البلاد المرحلة القادمة التي تنشط فيها مساعي الداعمين للتمرد لفرض واقع جديد مستخدمين فيه عصا المجتمع الدولي. كذلك يجب أن يتم التفكير الجاد لتطوير منبر جدة بإضافة داعمين جدد من الدول الشقيقة والصديقة يؤمنون بأهمية السلام في السودان دون إملاءات.

أيضاً على الحكومة السعي لتأمين موقفها عبر تحالفات إقليمية و دولية ممكنة وغير مشروطة ظلت مساندة للسودان في أوقات سابقة ممثلة في روسيا، و الصين، و إيران، و تركيا و قطر، كذلك يجب إعادة النظر في ترتيب أمر العمليات العسكرية في الميدان الحربي بدءاً بطريقة إعلام الحرب التي تُوجب إشراك الناس جميعاً من خلال ترجمة شعار جيش واحد شعب واحد إلى واقع عملي باستنهاض كل قطاعات المجتمع و انتهاءً بالتكتيكات التي تجعل اعتباراً للأرض؛ فإذا تم تحرير للخرطوم ومدني وسنجة أو أيَّاً من ولايات دارفور سوف يغير ذلك في معادلة فرض السيطرة والتفاوض و إحلال السلام.

هذه هي الخيارات المتاحة لمواجهة محتملة مع المجتمع الدولي لمجابهة كل التحديات الهادفة لفرض السيطرة وفرض حلول جاهزة وفقا لرؤية الداعمين للتمرد، لذلك يظل هذا وجه الحقيقة التي يمكن أن يعجل بنهاية الحرب طالما اختارت حكومة السودان هذا الطريق الصعب الذي يحتاج إلى الصمود وإلى توحيد الجبهة الداخلية و إلى تهيئة الرأي العام لحرب قد تطول وهذا يمثل دخول الحرب في مرحلة جديدة.
دمتم بخير وعافية..
الثلاثاء 13/أغسطس /2024 م.
Shglawi55@gmail.com

Exit mobile version