بالأمس في خطاب الإقرار بالهزيمة حرص قائد التمرد محمد حمدان دقلو إعادة تقديم نفسه للشعب السوداني في دور الضحية المغدور به كالعادة ظناً منه أن الناس ما زالوا بتلك السذاجة التي كان يخاطبهم بها حين كانت الأيام يانعة و المستقبل أملاً في انتقال ديمقراطي و حكم رشيد، الرجل كان معتمداً على جاذبية مفردات البادية النضرة النافذة إلى قلوب الناس قبل عقولهم، كما حاول الإعتذار عن الجرائم و الانتهاكات التي ارتكبتها قواته في حق الشعب السوداني بالإدعاء أن هذه الفئات التي اعتدت عليهم من (الشفشافة) و (الغنامة) و المجرمين تم اخراجهم من السجون بواسطة من أشعل الحرب ذلك الحديث الأجوف الخواء، الرجل حاول تغيير سردية الحرب نفسها و المعلومة للجميع و التي قامت على إنقلاب فاشل هددت به ودعمته بعض أحزاب قوى الحرية و التغير حين تحدثت مريم الصادق المهدي عن أن من يعرقل إنفاذ الإطاري سيطورون خياراتهم البديلة و أن لكل حادث حديث، تلك اللحظة كانت الفتنة إمرأة ، كما نسي أنه هو من هدد أهل الخرطوم بأن بيوتهم ستسكنها (الكدايس)، الرجل بخطابه هذا تعامل مع الناس كأنهم بلا ذاكرة و اعتمد كما اعتمد داعميه على فكرة أن الحرب أشعلها الإسلاميون ليعودوا للسلطة، ونسي أن الإسلاميين تركوا السلطة دون مقاومة و كان في مقدرهم المقاومة و لكن كما قالوا لأجل ألا تنزلق البلاد في الحرب و أنهم سيكونون معارضة مساندة، ليس لأنهم يدعمون حمدوك أو لأنهم يحبوه بل لأنهم يحبون بلدهم ، لذلك هو الآن يقول أنه قضى على الجيش كما يدعي في أول أسبوعين من الحرب لولا استنفار شباب الإسلاميين الذي أخر حسم المعركة لصالح مشروعه الإثني الذي أدخل عليه سردية جديدة بحديثه عن الشوايقة، جاء خطاب الرجل مهزوزاً بائساً محتشداً بالشكوى و مرارة الهزيمة ،أيها الأحبة جميع الحروب فيها معارك فاصلة تغير مجري التاريخ و ميزان الحرب، من الواضح أن المعركة الفاصلة كانت جبل موية عند تخوم سنار الأبية، سنار التي شكلت ملامح دولة القيم و التحرر من العبودية، لكن للأسف الإعلام ينتظر مصفاة الجيلي و ينتظر تحرير الخرطوم و تحرير دارفور، المعركة يا سادة انتهت عند جبل موية الذي تنتظرونه بعد ذلك هي قوات محاصرة يضيق عليها (شرك أم زيردو)، الجيش يعلم ذلك و كل الدنيا، و كذلك أجهزة المخابرات التي تراقب عن كثب ما يجري في السودان و التي لملمت أوراقها و رفعت تقريرها بنهاية الحرب يوم أن عبر الجيش الجسور إلى قلب الخرطوم، و يوم أن خرجت جموع الشعب السوداني طربة لم تسعها الأرض في كل مكان، كان ذلك الخروج هو إثبات مهم لمحبة السودانيين لجيشهم و دعمهم له، كان تفويضاً شعبياً لمرحلة قادمة، كما كان تكذيباً لكل الادعاءات التي تقول أن الإسلاميين يستثمرون في الحرب لإطالة أمدها بغية العودة للسلطة، كانوا يكذبون و يصدقون أنفسهم، لكنهم لم يكونوا ليقرأوا بين السطور التي فيها أن أمريكا خففت القيود على السودان لأجل اليوم التالي من الحرب من خلال قرار الرئيس الأمريكي رفع العقوبات على السودان مطلع الأسبوع الماضي، كذلك نشاط السفراء الصيني و التركي و الروسي، و مقابلاتهم لقيادة الدولة و حديثم عن مشروعات بنية تحتية حتى وفد الشركة الأمريكية التي التقت أول أمس الفريق إبراهيم جابر كانت تقول أنها تبحث عن استثمار و أن الحرب قد انتهت و ما تبقى جيوب، و المبعوث الأمريكي (توم بيرييلو) الذي يغرد في منصة (إكس) مضطرباً، ينشر ثم يزيل ثم يعدل ثم ينشر حتى يجد مقاربة جديدة تمكنه من كسب ود السودانيين الذين انتصروا لدولتهم، لذلك من المهم الوقوف عند الحديث الباكي للمتمرد (حميدتي) بأن الإطاري هو الذي أشعل الحرب، و أنه حذر المجتمع الدولي و رباعية السفارات و ثلاثية الاتحاد الافريقي و الحضور الذي التأم في بيت السفير السعودي، و الذي ضم الولايات المتحدة الأمريكية (مولي في) و الفريق أول الكباشي و الفريق إبراهيم جابر وياسر عرمان، هنا الرجل كان صادقاً لأنه أدرك أنه دفع إلى حرب لم يكن يتصور أن يصمد الجيش فيها، كذلك هم ، مثل هذه السردية لا تستطيع إلا أن تقول فيها ما قاله الكاتب المسرحي (لينين الرملي) على لسان الممثل المصري محمود صبحي في المسرحية الشهيرة (إنتهي الدرس يا غبى!! ). كذلك هناك إشارة لاتقل أهمية و هي مرتبطة بما كان يملكه الرجل من معلومات مضللة عن قدرات الجيش السوداني، الرجل تفاجأ، حاول أن يخفي ذلك في محاولة ابتزاز رخيصة للجارة الشقيقة مصر بإشارته أن طيرانها قصف قواته المتمردة في كرري و في الفاشر وفي جبل موية، تلك الفِرية التي نفتها مصر ببيان من خارجيتها ، ذلك بالتأكيد بمعزل عن مواقفها المشرفة مع الجيش و الشعب السوداني التي لم ترتقِ للمشاركة معه في عمليات حربية لكنها ساهمت سياسياً و دبلوماسياً و إنسانياً في المحافظة على تأكيد مشروعية الجيش السوداني و حفظ الدولة السودانية من الانهيار وإيواء الفارين من الحرب، لذلك السودانيون لن ينسوها لمصر.
يظل وجه الحقيقة في التأكيد على أن خطاب حميدتي كان بمثابة العشاء الأخير؛ حمل عتاب و اعتذار لداعميه و قالت كلماته أنه بذل جهداً لإخضاع جيش عمره مائة عام يعرف كيف يحارب و كيف يحافظ على كيان دولته، و لم يفلح و أنه يتطلع لجولة جديدة يعلم أنها مستحيلة و لن تأتي حيث أثبت السودانيون بشبابهم و شيوخهم و نسائهم أنهم في الموعد صمودا و بسالة و إباء.
دمتم بخير وعافية.
الخميس 10 أكتوبر 2024 م. Shglawi55@gmail.com