يغادر فخامة الرئيس البرهان البلاد مطلع الأسبوع المقبل متوجهاً إلى نيويورك للمشاركة في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة السنوية المنعقدة في السادس و العشرين من الشهر الجاري في دورتها التاسعة و السبعين، رغم أهمية الزيارة بالنسبة للحكومة السودانية و السودانيين في هذه الظروف التي تمر فيها البلاد بأسوأ حرب في تاريخها الحديث جراء تمرد قوات الدعم السريع بعد محاولتها الاستيلاء على الحكم بدعم إقليمي إلا أن الحكومة السودانية لم تعلن حتى اليوم عن برنامج الرئيس المتعلق بالمخاطبة و اللقاءات و الاجتماعات مع جميع الأطراف، سألنا عن ذلك لأنه من الواضح أن الولايات المتحدة الأمريكية و بعض الدول الإقليمية يحرصون على لقاء الرئيس البرهان لممارسة ضغوط كثيفة لوقف الحرب و إيجاد تسوية ما من خلال مشاركته حضور هذه الفعالية بالرغم من موقف الحكومة المعلن والواضح أن الطريق لوقف الحرب يمر عبر تنفيذ إتفاق جدة للترتيبات الأمنية الموقع في (11) مايو من العام الماضي، هذا بالنظر إلى ما أشار له الرئيس الأمريكي جو بايدن في خطابه بشأن السودان بالأمس الذي وصف فيه الحرب ب(الفارغة من المعنى)، و أنه انبثقت عنها واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، بجانب حديثه عن انتشار المجاعة في دارفور التي تهدد حياة الملايين، و عن أهمية أن توقف قوات الدعم السريع الهجمات على المدنيين وضغطهم من أجل السلام، كذلك حديثه عن أهمية الكف عن تغذية النزاع من أجل مستقبل السودان، و إشارته إلي أنهم لن يتخلوا عن التزامهم تجاه الشعب السوداني الذي يستحق الحرية و السلام و العدالة. حيث جاء رد الرئيس البرهان على الخطاب مرحباً بتعبير الرئيس بايدن عن قلقه عمّا يجري في السودان، و تقديره عن دعم الجهود الإنسانية التي تقوم بها الولايات المتحدة الأمريكية كما أشار إلي تصميم الحكومة السودانية على إنهاء معاناة مواطنيها. لكن اللافت أنه أشار إلي أن الحكومة السودانية منفتحة أمام كافة الجهود البناءة الرامية إلى إنهاء هذه الحرب المدمرة، و أنهم على استعداد للعمل مع جميع الشركاء الدوليين سعياً للتوصل إلى حل سلمي يخفف من معاناة الشعب و يضع السودان على الطريق نحو الأمن و الاستقرار و سيادة القانون و التداول الديمقراطي للسلطة و في هذا إشارة جيدة إلي اليوم التالي للحرب. كذلك أكد الرئيس البرهان أنهم يتطلعون إلى تعميق هذه المناقشات مع المسؤولين الأمريكيين خلال المشاركة المقبلة في الجزء الرفيع المستوى للجمعية العامة للأمم المتحدة الأسبوع المقبل. هذا البيان من الواضح حمل رؤية السودان لما سوف يكون عليه الحال، كذلك أشار الي مستوى الآمال التي يعقدها السودان على ما سوف يدور في مداولات الجمعية الأساسية و التي على هامش الأعمال.
في جانب آخر حسب الشرق الإخبارية قال أنتوني بلينكن وزير الخارجية الأمريكي خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره المصري بدر عبد العاطي أمس في القاهرة حول تطورات الأوضاع في السودان أنهم ينسقون مع مصر بشأن إنهاء الحرب في السودان، و أن إحراز تقدم في أزمة السودان مُهدّد بسبب هجوم جديد لقوات الدعم السريع على مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور غربي البلاد، و أن على طرفي الصراع في السودان أن يجلسا على طاولة المفاوضات للاتفاق على تنفيذ الاتفاقيات الرامية لوقف الحرب وفي ذلك إشارة واضحة ربما لاتفاق جدة. كذلك في حديث لوزير الخارجية المصري الدكتور بدر عبد العاطي الذي أبان الموقف الثابت لجمهورية مصر العربية الداعم لوحدة السودان قال بأهمية وقف إطلاق النار في السودان و إدخال المساعدات الإنسانية الذي بات ضرورة مُلحّة، و الأهمية البالغة في عدم وضع الجيش السودانى الوطنى مع أى أطراف أخرى و العمل على تعزيز دور الدولة السودانية في الحفاظ على وحدة السودان والأراضى السودانية. في السياق كشفت مندوبة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة السفيرة (ليندا توماس جرينفيلد) حسب شبكة الخبر عن تنظيم بلادها اجتماعاً جانبياً على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك حول السودان سيشارك فيه المبعوث الخاص (توم بيريللو) و وزير الخارجية أنتوني بلينكن، و توقعت أن يكون هناك عدد من الأحداث الجارية لمحاولة جمع الأطراف المختلفة على طاولة المفاوضات. كذلك و حسب مراقبين فإن الولايات المتحدة الأمريكية ربما تطلب من الجيش وقف طلعات الطيران في دارفور خاصة الفاشر مع التزام الدعم السريع بفك الحصار عن الفاشر. هذه التصريحات و الإفادات من الإدارة الأمريكية و المراقبين تعد تمهيد لضغوط محتملة خلال مشاركة الرئيس عبد الفتاح البرهان في منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة في السادس والعشرين من الشهر الجاري، و التي تُعد المشاركة الثانية منذ اندلاع الحرب بالرغم من المزايدات التي ظل يطلقها البعض حول شرعيته أو شرعية الحكومة و هذا ماتم تجاوزه من واقع العديد من الأحداث بعد مشاركات عديدة للرئيس البرهان و الحكومة السودانية في عدد من المحافل الاقليمية و الدولية. لكن من المهم أن يستفيد السودان من هذه الفرصة السانحة لشرح تفاصيل و مستجدات أزمة الحرب و تسليط الضوء على إنتهاكات القوات المتمردة المتواصلة و المجازر التي ترتكبها بحق المدنيين بجانب عدم التزامها بتنفيذ إتفاق جدة. كذلك من المهم الإشارة إلى خارطة الطريق التي تقدم بها السودان للوسطاء لتنفيذ الاتفاق.
تعتبر إجتماعات الجمعية العامة من المحافل المهمة التي يحرص فيها رؤساء الدول بمخاطبة العالم بصورة مباشرة، لذلك فإن حديث الرئيس البرهان المرتقب سيكون محل إهتمام المجتمعين الإقليمي و الدولي مع توقعاتٍ بأن تحظى مشاركته الثانية باهتمام إعلامي كبير و ذلك لاعتبار أنها تأتي في توقيتٍ استثنائيّ و البلاد تمرُ بظرفٍ بالغ التعقيد منذ منتصف إبريل من العام الماضي حينما تمردت قوات الدعم السريع على الدولة بدعم إقليمي و تواطؤ داخلي من بعض الأحزاب السياسية.
لذلك يظل وجه الحقيقة في أهمية الذهاب إلى الجمعية العامة وفق برنامج معد مسبقاً يضمن النأي بالبلد عن أي ضغوط إقليمية أو دولية مرتقبة ضمن إجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، كذلك يجب التأكيد على أهمية تنفيذ رؤية الحكومة المتعلقة بإتفاق جدة للترتيبات الأمنية و الإنسانية و التي تم تسليمها الوسطاء باعتبارها تمثل المسار الآمن و الجيد لاستعادة الأمن و تحقيق السلام للسودانيين.
دمتم بخير وعافية..
الخميس 19 سبتمبر 2024 م. Shglawi55@gmail.com