ظلت سويسرا تتكئ على تاريخ إيجابي في الحوارات المفضية إلى فض النزاعات، لذلك تظل هناك فرص جيدة تمكنها كبلد مستضيف لحوار وقف الحرب في السودان من إحداث اختراق كبير لتحقيق السلام في بلادنا في حرب أوشكت أن تعبر إلى العام الثاني. كما نعلم يُعد الحياد السياسي أحد المبادئ الرئيسية في سياسة سويسرا الخارجية، لذلك كثيراً ما لعبت سويسرا دور الوساطة في النزاعات الدولية و في بعض الأحيان ساعدت بصورة فعالة في إحلال السلام ـ وهو ما يفسّر شهرتها في مجال المساعي الحميدة وفي فض النزاعات.
كذلك من المعلوم أن أي مبادرة تصب في صالح وقف الحرب في السودان والانتقال بالبلاد إلى مرحلة السلام والأمن هي مبادرة مرحّب بها، ربما الاختلاف في ذلك بين الجمهور هو اختلاف نوع وليس اختلاف مقدار؛ بمعني الكل حريص على وقف الحرب لكن وفقا اشتراطات منبر جدة الذي الزم قوات الدعم السريع المتمردة بالخروج من الأعيان المدنية وبيوت المواطنين وتجميع الأفراد في معسكرات خارج المدن، وفي ذلك إشارة واضحة الي أن القوى المسلحة الوحيدة التي تحتكر العنف بالقانون هي القوات المسلحة السودانية -وذلك لا مزايدة فيه عليه- هي التي يُناط بها أمر التسريح ودمج الجيوش وفقاً للمعايير المعمول بها دولياً و التي تلتزم بها القوات المسلحة السودانية، وهي في ذلك لديها تجارب ومرجعيات وهذا ما ظل يعرف بالترتيبات الأمنية التي يتولاها الجيش وحده ولا شأن للمدنيين بذلك وهذا هو المتوقع في المباحثات القادمة في (14) أغسطس القادم التي دعت لها الولايات المتحدة الأمريكية في سويسرا.
أما الحوار السياسي ونظام الحكم فهو متروك للأحزاب السياسية، حيث جاء مؤتمر القاهرة للأحزاب والكيانات السياسية وكذلك مؤتمر الاتحاد الأفريقي للأحزاب السودانية الذي انعقد مؤخراً بالعاصمة أديس أبابا مكملات لبعضهم البعض بعد أن تم التوافق والتوقيع في الإعلانات الصادرة عنهما على وحدة الدولة السودانية ووحدة الجيش، وإقرار مبدأ المشاركة السياسية في الحوار السوداني السوداني للجميع دون إقصاء لأحد، بجانب تكوين حكومة كفاءات وطنية ينتقل لها الحكم المدني في اليوم التالي للحرب وصولاً لانتخابات يحدد السودانيون فيها من يحكمهم عبر الصناديق.
كل ذلك يؤسس لدعوة الولايات المتحدة التي جأت مؤخراً على لسان وزير خارجيتها بلينكن الذي قال أنهم ملتزمون بالعمل على إنهاء الحرب المدمرة في السودان بناء على عمليات جدة السابقة وفي ذلك إشارة واضحة أن الأمريكان يريدون استكمال عملية سلام وليس عملية جديدة كما ظن البعض.
وبناء عليه تمت دعوة القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع المتمردة إلى المفاوضات في (14) أغسطس القادم إلي سويسرا حيث يُعد ذلك إلتزام من المملكة العربية السعودية و الأمريكان بالعمل على إنهاء الحرب.
يتبقى أمر آخر في غاية الأهمية من هم المشاركون في هذه المفاوضات؟ أعلن عن مشاركة الاتحاد الأفريقي، و جمهورية مصر العربية والإمارات العربية المتحدة والأمم المتحدة بصفة مراقب. هذا جيد بالنظر إلى التفاهمات التي جرت في الفترة السابقة والمكالمة الهاتفية بين رأس الدولة في السودان والإمارات، والتي أُعلن أنها كانت شفافة نقل فيها للجانب الإماراتي معاناة من السودانيين من ويلات الحرب جرّاء دعم الإمارات للقوات المتمردة، حيث أبدى الجانب الإماراتي حرصه على تحقيق السلام في السودان. مايهمنا في هذه التفاهمات هو تدحرج الموقف السوداني للإمام وقبوله بحضور الإمارات للمفاوضات كمراقب بجانب جمهورية مصر، وهذا في تقديري يسهل كثير في الوصول إلى حلول جيدة ربما تؤدي إلى وقف الحرب فوراً ومن ثم الانتقال إلى اليوم التالي الذي ينتقل إلى العملية السياسية وعمليات إعادة الأعمار.
من المؤكد أن هذه المحادثات التي تأتي تحت رعاية المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية واستضافة سويسرا والتي لم يصدر أي تعليق حتى الآن من الحكومة السودانية عليها بينما رحبت بها قوات الدعم السريع المتمردة سوف تعمل على وقف الحرب، وتمكين وصول المساعدات الإنسانية إلى جميع المحتاجين، وتطوير آلية قوية للرصد والتحقق لضمان تنفيذ أي اتفاق محتمل، لذلك هي مفاوضات مُرحّب بها للثقة التي تتمتع بها المملكة العربية السعودية لدى السودانيين إلى جانب وجود المجتمع الدولي. نأمل أن ترحب الحكومة السودانية بالمبادرة وأن يلتزم الوسطاء بإقرار ماتم التوافق عليه في منبر جدة، ذلك حتى تُرفع المعاناة عن السودانيين والتي وصلت ذروتها بعد أن أصبح الجميع بين لاجيء أو نازح أو باحث عن الأمن أو الطعام والعلاج، فضلاً عن التأثيرات الأخرى على اقتصاد البلاد، وتوقف الزراعة وعمليات الإنتاج جراء استمرار الحرب حيث يظل السؤال شاخصاً متى يحل الأمن وتضع الحرب أوزارها بما يحفظ للسودانيين أمنهم وسلامهم المستدام؟
دمتم بخير وعافية.
24 يوليو 2024م. Shglawi55@gmail.com