حتى تنجو منهم ،و ربما لا تنجو، يقولون لك “قل: باع” في إشارة إلى محاكاة الخراف و قطعان الماشية، و هم يسوقونكم في طابور سير منتظم طويل بطول الأسى و الألم و الفاجعة التي عاشها إنسان السودان جراء الحرب التي اندلعت بعد فشل انقلاب المليشيا في الاستيلاء على السلطة بدعم إقليمي وإسناد محلي من بعض الأحزاب السياسية.
هكذا كان الإذلال لمواطني شرق الجزيرة الوافرين في سخاء و الآمنين في دعة، المدركين لقيم الدين و ممسكات المجتمع، الذين يسدون الطريق في أيام المسغبة و المرحمة و الطمأنينة لأجل السقيا و اللقمة الحلال و التبرك بإكرام الضيف. كانوا يعترضون المسافرين في الطرقات لتخفيف وعثاء السفر و كآبة المنظر ليقولوا لهم: بلادنا مأمنكم و موطنكم، و دارنا داركم و عيشنا عيشكم، لكن للأسف من يدرك هذه الأخلاق و ذلك الصمود و تلك الهيبة التي أوجفت المليشيا و طاشت عقلها، فجاءت خائفة ترتجف تبحث عن السلاح، لم تدرك أن هؤلاء القوم سلاحهم تقوى الله، و إكرام الضيف والتنافس لأجل المكرمات والرحمات .
لا يملكون السلاح بمفهوم المليشيا و ليتهم ملكوه، ما كان تجرأ عليهم أحد، و ما كان تجرأ ذلك الذي هز الشيخ العالم المهندس (الطيب الطاهر) من لحيته في مشهد تستحي منه الملائكة و يخشى منه ذو الفطنة من غضب الله. مشهد أدمى القلوب و هزّ الضمائر الحية و الميتة على السواء، و كشف عورة التمرد و داعميه الذين في قلوبهم أكنة و في آذانهم وقرا.
ذلك الشيخ المهندس الخبير الوطني الذي عرفته القيم، و عرفه التاريخ ، و عرفه الناس وفياً لمهنته، باذلاً لأجلها كل خبراته التي اكتسبها من جامعات العالم و مؤسساته نقلها لتلامذته في وفاء وحب ، متخصصاً في مجال الكهرباء والإدارة والجودة . عرفه أهل منطقته (السريحة) وفياً لهم كما عرفه أهل السودان في أصعب الظروف، بالعمل الجاد والإنجاز و حب الخير للناس وصل ليله بنهاره تفانياً و نكران ذات.
ذلك الرجل السبعيني، المهندس الطيب الشيخ الذي ما حل في مكان إلا و حلت البركة نوراً و فتحاً و سلاماً، ذلك الشيخ الوقور المسبّح الذي ربما ما فعلوه به قدراً ساقه الله على يد ذلك المعتدي المدعو عمر شارون حتى يصحو ضمير العالم وتستيقظ الإنسانية من سُباتها تجاه الانتهاكات التي ترتكبها مليشيا الدعم السريع في السودان.
كانت تلك الحادثة مبعث الألم و محركاً لأهل القيم والدين في شتى البلدان الحرة، حيث أدان الأزهر الشريف في بيان قاصد تلك الانتهاكات التي وقعت في قرى غرب الجزيرة و جنوبها و شرقها والتي راح ضحيتها المئات من الشباب و الأطفال و النساء و الشيوخ إلى جانب الجرحى و المفقودين. أكد الأزهر أن ترويع المدنيين الآمنين و قتلهم و الانتقام منهم من أجل تصفية الحسابات يعد جريمة نكراء في حق الإنسانية و يعدها الدين الإسلامي من أعظم الذنوب و أكبر الكبائر.
كما أدان ذلك السلوك المشين من البطش و التنكيل بالناس الدكتور (علي القره داغي) رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين. و أيضاً علق مفتي سلطنة عمان، أحمد بن حمد الخليلي،على تلك الانتهاكات المرتكبة في ولاية الجزيرة في السودان على يد قوات المليشيا، حيث وصفها بأنها “خطة فرعونية، تبّاً لمخططها و منفذها”، و أدانها أيضاً أحد أهم علماء الأمة الإسلامية الشيخ (علي محمّد الصلابي)، الكاتب و الداعية الإسلامي من ليبيا الشقيقة، و المتخصص في التاريخ والفكر الإسلامي وتفسير القرآن الكريم ، والذي شغل من قبل منصب الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين .
هذا فضلاً عن إدانات أخرى من هيئة علماء السودان، التي قالت إن مليشيا الدعم السريع ارتكبت جرماً وعدواناً لا مسوغ له ودعت أفرادها إلى وضع السلاح . بجانب إدانات العلماء والكتاب والمفكرين ، جاءت إدانات الصحفيين والناشطين في مواقع التواصل الاجتماعي والأحزاب الوطنية . جميعهم استنكروا هذا الفعل الشنيع الإجرامي الذي يتنافى مع القيم السوية و الدين. و وصف مراقبون هذا السلوك بأنه لا يصدر إلا من مريض بالشذوذ أو السادية و لا يعرف للدين حرمة أو للكبير وقارا .
فإن وجه الحقيقة يفضح هذه المليشيا التي نزع الله من قلوبهم الرحمة و الحياء لذلك كتب عليهم التّيه و لفظتهم مجتمعاتهم لأن فيها من يدرك قيمة الإنسان و أهمية الأمن و الأمان. أما هؤلاء فلا أرضاً قطعوا و لا ظهراً أبقوا و لو قُدّر لهم حكم بلادنا لكان الآن جميعنا يهيم في الطرقات نقول: “باأأأع”!
دمتم بخير وعافية.
الأربعاء 30 أكتوبر 2024 م
Shglawi55@gmail.com