قدمنا الأسبوع الماضي في مقال قراءة متفائلة لمخرجات زيارة مجلس الأمن و السلم الإفريقي للسودان مطلع أكتوبر الجاري تحت عنوان “السودان يقترب من فك تجميد عضويته في الإتحاد الإفريقي” ،و اعتمدنا في ذلك على عدد من الشواهد و السرديات منها الحديث الواضح من قيادة البلاد لوفد المجلس حول توصيف الإتحاد الإفريقي لما حدث في (25) أكتوبر أنه غير دقيق و ينافي الحقائق، كذلك خذلان الإتحاد الإفريقي و منظماته للحكومة السودانية في توصيف الحرب الدائرة في السودان، هذا خلاف المواقف الباهتة التي بدأت من الاتحاد الإفريقي خلال تطور الحرب و إخفاقه في إدانة الانتهاكات بشكل واضح التي ظلت تقوم بها المليشيا في حق الشعب السوداني حيث قوبل ذلك باستياء واسع من الرأي العام السوداني.
يرى كثير من المراقبين أن نجاح زيارة الوفد كانت تقوم على مدى تفهمه لما جرى في السودان بعيداً عن التأثيرات الإقليمية و الدولية، بجانب أن السودان دولة ذات سيادة و ثقل في المنظمة و أحد الأعضاء المؤسسين للاتحاد الإفريقي يجب أن يجد اهتماماً مقدراً و مساهمة فاعلة في الدفع بعملية السلام و إعادة الأمن للسودانيين عبر المنظمة الأفريقية التي يُعوّل عليها في حل مشكلات القارة من خلال تجاربها الواسعة.
لم يتفاجأ المراقبون و الرأي العام السوداني من بيان رئيس مجلس السلم و الأمن التابع للاتحاد الإفريقي، و عدّوا ذلك تفهماً لرغباتهم و الذي دعا فيه إلى إعادة فتح مكتب اتصال الاتحاد الإفريقي في السودان و طالب مليشيا الدعم السريع برفع الحصار المفروض على مدينة الفاشر لضمان وصول المساعدات الإنسانية بأمان و دون عوائق.
كما تضمن البيان إشارات مهمة منها التأكيد على ضرورة التواصل بين الإتحاد الإفريقي و السلطات السودانية لإجراء مناقشات مع ممثلي الحكومة السودانية بشأن تعليق أنشطة السودان في الاتحاد، هذا يعني أن السودان يقترب من فك تجميد عضويته في الاتحاد الإفريقي، كذلك تفهُّم المجلس لخلفيات الحرب في السودان و أسباب اندلاعها بقبوله المقترحات حسب البيانات التي قدمها رئيس مجلس السيادة و التي تشمل إنهاء الحرب و إنشاء مناطق تجمع متفق عليها و في ذلك إشارة واضحة لقبول خارطة الطريق التي أعدتها الحكومة السودانية لتنفيذ إتفاق جدة الموقع في (11) مايو من العام الماضي لأجل حقن دماء السودانيين و إستعادة الأمن.
اللافت كذلك في البيان ترحيبه بتشكيل حكومة انتقالية في السودان بقيادة مدنية، كذلك رفضه لأي تدخل خارجي في الشؤون الداخلية للسودان و الذي قد يؤدي إلى إطالة أمد الصراع.
الواضح من خلال هذه التطورات الإيجابية أن الدبلوماسية السودانية قامت بدور نشط خلال الفترة الماضية في دوائر الاتحاد الإفريقي و الدوائر المهمة الأخرى مما مكّنها من إيصال رؤية السودان بوضوح بجانب مخرجات الزيارة الإيجابية التي قام بها وفد مجلس الأمن و السلم للسودان مطلع أكتوبر الجاري.
الخارجية السودانية بدورها أصدرت أول أمس بياناً رحبت فيه بما جاء في بيان المجلس، و اتفقت في جميع الأولويات التي حددها البيان خاصة فيما يتعلق بالتنفيذ الكامل لإعلان جدة. في تقديري الخطوة تعتبر جيدة حيث أنها وضعت الاتحاد الإفريقي و مجلس السلم والأمن الإفريقي أمام مسؤولياتهم تجاه ما يجري في السودان و هذا يعتبر تطور لافت حسب مراقبين ربما يعجّل بإنهاء الحرب و عودة الأمن و السلام في القريب العاجل.
بالرغم من هذا التفاؤل الحذر من جميع السودانيين إلا أنهم تفاجأوا بانتقاد (بكري الجاك) المتحدث الرسمي بإسم تنسيقية القوى المدنية (تقدم) لبيان مجلس الأمن و السلم الإفريقي الذي وصف البيان بعدم الحياد و أنه منح القوات المسلحة ميزة في أي ترتيبات سياسية قادمة، جاء ذلك خلال حديثه لقناة (سكاي نيوز عربية) حيث أعرب عن قلقه من تأثير هذا البيان على مستقبل العملية السياسية في البلاد، حديث الجاك في تقديري و تقدير مراقبين لم يكن موفقاً إذ أن اتفاق جدة لم يتضمن أية إشارة لعملية سياسية فقط يُعني بالترتيبات الأمنية و العمل الإنساني إلا إذا كانت تقدم تدرك أن تنفيذ اتفاق جدة يعني طي صفحة المليشيا للأبد و تريد حمايتها من التفكيك، أما العملية السياسية فقد تم الاتفاق عليها في مؤتمر القاهرة للقوى المدنية و مؤتمر أديس للأحزاب السياسية أن يكون لها مسار منفصل بين الأحزاب السياسية السودانية دون استثناء داخل السودان (حوار سوداني سوداني) الجيش ليس طرفاً فيه، حيث أنه يتجه حسب أولويات الأمن الي تكوين حكومة كفاءات وطنية غير حزبية لإدارة الفترة الانتقالية ضمن أولوياتها إقامة الانتخابات باشتراك كافة الأحزاب السياسية.
تأتي هذه التطورات اللافتة في ظل تقدم الجيش في جميع المحاور و جبهات القتال لحسم التمرد الذي باتت أيامه معدودة، بالرغم من ذلك يظل وجه الحقيقة في أهمية الترحيب بهذه التطورات الإيجابية من مجلس الأمن و السلم الإفريقي ومواصلة المجهودات و التنسيق المشترك بين جميع الأطراف للإسراع في عملية الانتقال من الحرب إلى اليوم التالي الذي يتطلع السودانيون له لأجل عودة الأمن و الاستقرار و السلام.
دمتم بخير وعافية.
الأربعاء 16/اكتوبر 2024 م. Shglawi55@gmail.com