استضافت قناة الجزيرة مباشر الأسبوع الماضي نائب عمدة ولاية أيوا الأمريكية (د. مزاهر صالح) للتعليق حول الأحداث في السودان و ما يجري في ولاية الجزيرة بصورة خاصة من انتهاكات ترتكبها مليشيا الدعم السريع. دار الحديث حول خطورة تسليح الشعب السوداني الذي ربما يقود البلاد إلى حرب أهلية. هكذا كانت مؤشرات الحلقة التي أدار حوارها الزميل الإعلامي (أحمد طه) الذي ينظر إليه بعض السودانيين على أنه يفرض رؤيته و يقلل من قدر ضيوفه خلال الحوار و ربما يميل لدعم مجموعة “تقدم” و يظهر بشكل غير محايد.
كل هذا يظل محل نقاش و جدل حيث إن الإعلام مهمة صعبة لا يمكن الحصول فيها على قبول الجميع، لكن يظل الحياد أمراً مهماً فهو جزء من أخلاق المهنة و أساسياتها في التميز و خدمة الرسالة الإعلامية الواعية. أعتقد أن الرجل كان موفقاً في اختيار ضيفته و إدارة الحوار، على أي حال أثارت إفادات مزاهر صالح إعجاب المتابعين للحلقة و جدلاً كبيراً بين الجمهور حيث انتشر حديثها بسرعة في وسائل التواصل الاجتماعي و الرأي العام السوداني.
جاء ذلك لعدة أسباب، منها أنها بدت كشخصية سودانية عادية و وطنية بلا انتماء سياسي لأي حزب، كما وجهت رسالة مباشرة للشعب السوداني، مشيرة إلى ضرورة النهوض لصد العدوان على البلاد و مساندة الجيش. وصفت الدفاع عن البلد بالمهم و أشارت إلى أنه واجب وطني و أخلاقي يجب على الجميع تحمله دون تمييز. بهذا الرأي الواضح تعتبر (مزاهر) من الشخصيات التي تؤمن بأهمية حماية الوطن و التصدي للمهددات الوجودية و التآمر الإقليمي و الدولي.
استدلت (مزاهر) على رأيها و أكدته بأنها عندما مُنحت الجنسية الأمريكية أدت قسماً واضحاً يلزمها بالدفاع عن أمريكا في حالة تعرضها للخطر -رغم أنها مدنية-. و أوضحت أن هذا هو الواجب الوطني الذي ينبغي على الجميع تحمله، فالجيش وحده لا يستطيع تغطية كل البلاد لصد العدوان لذلك يستعين بالشعب لكنها شدّدت على ضرورة طرح الأمر للنقاش و ترتيبه قانونياً لحفظ الحقوق و تنظيم الدفاع عن الوطن.
أثارت تصريحات مزاهر جدلاً كبيراً بين السودانيين في الداخل و الخارج، حيث أشاد الكثيرون بموقفها الوطني الصادق، و تمنوا أن يتبنى جميع السودانيين هذا الإجراء، و هو معمول به في كافة دول العالم بلا استثناء، و من المهم إغلاق باب المزايدة السياسية على السودانيين في دعمهم للجيش حيث أن ذلك أفرز نتائج سلبية ساهمت في انقسام الصف الوطني.
على الرغم من أن الأغلبية كما يبدو تدعم الجيش و تساند إجراءاته، يبقى الإجماع الوطني أمراً مهماً، كونه أحد الوسائل الفاعلة في الضغط على المليشيا و رفع الغطاء السياسي و الإعلامي عنها. من المؤسف انقسام الصف الوطني بين الداعين لخوض الحرب حتى النهاية و إعلان انتصار السودانيين و الجيش و بين المنادين بوقفها دون أي اعتبار للعدوان أو الانتهاكات أو الجرائم أو كما يُقال في المثل السوداني: “مشطوها بقملها”.
تأتي أهمية إفادة (مزاهر) كونها سودانية متميزة حصلت على الجنسية الأمريكية، و أصبحت من صانعي القرار في بلدها الجديد حيث تشغل منصب نائب عمدة في ولاية أيوا الأمريكية. من المعلوم أن شعوبنا تنظر لأمريكا بإعجاب باعتبارها سيدة الديمقراطيات و حقوق الإنسان ما يُضفي قيمة إضافية على شهادة (مزاهر) و يجعلها محرجة لبعض الذين يُزايدون على موقف السودانيين من الحرب.
عليه، فإن شهادة (مزاهر صالح) قانونية و أخلاقية تُحرج تنسيقية القوى المدنية “تقدم” التي توصف بدعمها للمليشيا إعلامياً و سياسياً، كما أن رأي (مزاهر) مُحرج للمنظمات الإقليمية و الدولية و للأمريكان أنفسهم، حين يعيبون على الجيش استعانته بالمجموعات الشبابية من أبناء السودان القادرين على حمل السلاح للدفاع عن البلد و شعبه أمام قوات متمردة مدعومة بمرتزقة أجانب حسب ما كشف عنه الإعلام.
و يبدو أن ذلك ما جعل الولايات المتحدة الأمريكية تراجع موقفها من التمرد، حيث أدانت أول أمس على لسان المتحدث باسم الخارجية (ماثيو ميلر) في تغريدة على منصة “إكس” انتهاكات و جرائم مليشيا الدعم السريع في السودان، و دعت إلى وقف العنف ضد المدنيين فوراً، و طالبت بمحاسبة قوات الدعم السريع على جرائمها و أكدت على ضرورة وقف هذه الهجمات الشنيعة.
عليه، فإن وجه الحقيقة يبدو واضحاً و له بُعد أخلاقي و قانوني، و هذا يجعلنا و يجعل الشعب السوداني و (مزاهر صالح) و الولايات المتحدة الأمريكية نتشارك نفس الرأي في أهمية الدفاع عن الوطن و حمايته من أي تهديدات خارجية، و دعم جميع الجهود التي تسعى لتحقيق السلام و الاستقرار و استعادة الأمن في السودان ليعيش الناس في أمن و طمأنينة.
دمتم بخير وعافية.
الجمعة 1 ديسمبر 2024م
Shglawi55@gmail.com