👎العامل اللولبي Screw Factor👎 بقلم اللواء (م) مازن محمد إسماعيل

*أَخْلَقُ بِذِي الصَّبْر أَن يحظى بحاجته*
*ومُدمِنُ القَرْعِ للأبوابِ أَن يَلِجا*

*قَدِّر لِرِجْلِكَ قَبْلَ الخَطْوِ مَوْضِعهَا*
*فمَنْ عَلا زَلَقاً عن غِرَّةٍ زَلَجَا*

*وَلَا يَغُرَّنْكَ صَفْوٌ أَنْتَ شَارِبُهُ*
*فَرُبَّمَا كَانَ بالتَّكْدِيرِ مُمْتَزِجَا*

📍النصر البيروسي Pyrhic Victory هو نصرٌ خادعٌ بخسائر فادحة جداً تمثِّل هزيمةً منكرة تتدثَّر بنصرٍ زائف وهو بمعنى أدق أن تكسب معركة وتخسر الحرب .. ويُنسَب مثل هذا النصر إلى Pyrhus حاكم مملكة إيبروس Epirus ، وهي المنطقة الممتدة حالياً ما بين جنوب اليونان وألبانيا.

📍في عام ٢٨٠ ق م أعلن الرومان (جمهورية روما) الحرب على مملكة تورنتو Tarentum على ساحل ايطاليا الجنوبي الشرقي ، وكان سكان تورنتو في تلك الحقبة يتميزون عن غيرهم بالثقافة والثراء لدرجة أنهم يعتبرون كل من عداهم مجرد برابرة ، ولم يكونوا يهتمون بقوتهم العسكرية ، وقد ردُّوا على تهديد الرومان بأن استأجروا بيرهوس Pyrhus ملك Epirus (منطقة ممتدة بين جنوب اليونان وألبانيا) ليقاتل الرومان بديلاً عنهم كمرتزقة ، وكان بيرهوس مقاتلاً فذَّاً ومأخوذاً بما حقَّقه الإسكندر الأكبر من انتصارات ، وكان بيرهوس يحلم ببناء إمبراطورية تضم في داخلها إيطاليا واليونان ، فوجد في طلب استئجاره كمرتزقٍ فرصةً لتحقيق حلمه.

📍أبحر بيرهوس إلى إيطاليا بجيشه الذي كان يضم ٥٢ ألف مقاتل من المشاة والفرسان والرماة ومعهم عشرين فيلاً مقاتلاً ، وعند وصوله إلى تورنتو قام فوراً بفرض التجنيد الإجباري على سكانها الذين استأجروه وبدء في تدريبهم لقتال الرومان ، ولكن الرومان الذين كانوا يتابعون تحركات بيرهوس بادروا بمهاجمته عام ٢٨٠ ق م قبل أن يُكمِل تدريبهم واستعدادهم للقتال ، فوقعت بينهم أولى المعارك في هيراكيا Heraclea.

📍استطاع بيرهوس أن يهزم الرومان في هذه المعركه بفضل الفيلة التي فاجأت الرومان ، ولكنه بالمقابل تلقَّى خسائر فادحة في قواته وكبار قادة جيشه ، واستعصى عليه استعواض خسائره بالمرتزقة من حاضنته البعيدة Epirus بعكس الجيش النظامي للرومان ، فعرض على الرومان الصلح رغم انتصاره ، وطرح للرومان مقترح ان يتقاسم معهم حكم ايطاليا ، ورفض الرومان الصلح بكل كبرياء رغم خسارتهم المعركة ، فوقعت بينهم معركة اخرى في اسكولوم Asculum عام ٢٧٩ ق م ، وانتصر فيها بيرهوس كذلك ولكن بخسائر اكثر فداحةً من خسارته الأولى ، واصيب هو نفسه في تلك المعركة ، فقال بيرهوس: اذا هزمنا الرومان مرة اخرى فسنكون قد تدمرنا كلياً .. وبعدها ترك بيرهوس قتال الرومان ونقل جيشه إلى صقلية ، فاحتل الرومان تورنتو ، وتوالت الأزمات والكوارث على بيرهوس حتى فتكت به وبجيشه وقضت عليه تماماً في عام ٢٧٥ ق م.

📍من الواضح أن غرفة التحكم المنعقدة في الإمارات قد فقد كثيراً من سيطرتها على إدارة حرب المليشيا ، وذلك لسببٍ واضحٍ .. وهو أن كل القادة الميدانيين الذين تحتفظ الإمارات بعائلاتهم وأرصدتهم كرهائن .. قد هلكوا بالفعل أو أصبحوا خارج المعركة ، ولم يتبقى منهم إلا أعدادٌ على أصابع اليد وكلهم لن يصلح لقيادة مليشيا تم تكريس بنائها على عائلة دقلو ، وإذا استثنينا البيلاتشو (مهرِّج السيرك) عصام فضيل الذي لا يصلح لشئ سوى بعض الشقلبات البهلوانية التي يقوم بها أمام حميدتي لإدخال السرور عليه ، فإن أقدم من تبقى رتبةً وأهليَّةً عسكرية هو عثمان حامد (عمليات) ، غير أنه من الفلاتة ويدّعي أنه من الحوازمة – ورغم اعتزازنا واحترامنا لكل مكوناتنا الاجتماعية غير أن لمليشيا عائلة دقلو قِيَمٌ أخرى- ومن المستبعد أن ينقاد لعثمان عمليات أبناء جنيد من الرزيقات والمسيرية وغيرهم دون تصدعات وصراع داخلي مرير ودموي ، وعليه فالمراقب للميدان العسكري سيلاحظ بسهولة أن المليشيا -منذ عدة أشهرٍ- قد فقدت تماماً مركزية القيادة والسيطرة ، وقواتها تتخبط من أقصى الجزيرة شرقاً مروراً بحصارها في الجيلي شمالاً وفي الزرق غرباً وليس انتهاءاً بمحارقها الجديدة في بابنوسة والفاشر ، باحثين في أقصى أهدافهم عن موقف تفاوضي بات مستحيل المنال ، وذلك بعد أن استيأست المليشيا وأسيادها في الإمارات من نصرٍ يمكن تحقيقه في بابنوسة والفاشر الصامدتين ، وقد أدت الانتهاكات التي مارستها المليشيا إلى صدوعٍ غائرة داخل قبيلة المسيرية التي تتسارع خطاها كل يوم إلى نبذ عناصر المليشيا وقتالهم بضراوة ، ويُضاف إلى ذلك موقف قبيلة المحاميد والكثيرون من قادة وأبناء قبيلة الرزيقات .. وهكذا فإن المرتزقة الأوباش بعدوانيتهم ووحشية تخبطهم مع انعدام أدنى مستويات العقل والقيم والضمير لديهم .. قد استعدوا على أنفسهم حتى البيئة التي كانوا يظنونها حاضنتهم في كردفان ودارفور ، وبات مستحيلاً الوصول معهم لتسويةٍ سترفضها حتى فصيلتهم التي تؤويهم.

📍ظللنا نؤكد حتمية هزيمة المرتزقة وانتصار القوات المسلحة رغم انتفاشة التمرد في معاركه الأولى ، وكان واضحاً لكل ذي بصيرةٍ أنهم قد يكسبون بعض المعارك بأثمانٍ باهظة ، ولكنهم سيخسرون الحرب بكل تأكيد ، وفي ١٩ أكتوبر ٢٠٢٣م كتبتُ عشرة أسبابٍ ستؤدي إلى حتمية تشظي قوات الدعم السريع وتفتُّتها إلى أشلاءٍ تتلاشى بعوامل متعددة ، ويقيني أن أوان تصدُّعها وتشظِّيها وتلاشيها قد حان ، فقد ألحقت بها القوات المسلحة خسائر أفقدتها أكثر من ٩٠% من قوتها وقادتها الذين دخلت بهم الحرب يوم ١٣ أبريل ٢٠٢٣م ، وهي اليوم تقاتل دون أدنى أملٍ في النصر ، ولن يحول دون استئصال من تبقى منها سوى استسلامهم ، والمؤكد بأن الإمارات التي لا تراهم سوى حفنة مرتزقةٍ مدفوعي الأجر .. ستظل تدفع بمن تبقى منهم إلى حتفهم دون أن يطرف لها جفن ، ثم بعد أن ينقرضوا جميعاً ستأتي الإمارات لتسوية علاقتها بالسودان بالطرق الدبلوماسية العادية كما فعلت من قبل مع دولٍ عديدةٍ كان آخرها تركيا التي موَّلت فيها الإمارات انقلاب فتح الله غولن وبعد فشل الانقلاب والقضاء على مرتكبيه .. قامت بتسوية علاقتها مع حكومة أردوغان ، *وعندها ستتذكر الإمارات ، وسيتذكر الذين قد يودُّون مفاوضتها ، وسيذكرهم هذا الشعب ، أن انقلاب الإمارات الفاشل في تركيا لم يُخلِّف وراءه سوى خسائر طفيفة ، ولكن انقلابها الفاشل في السودان لازال يكلفنا خسائر تمتد من عصر ما قبل التاريخ (ميمياوات أجدادنا وآثارهم) إلى ما لا يعلم مداه إلا الله في المستقبل .. وما من عاقلٍ مُنصفٍ يقول بأن أموال الإمارات ستكفي لسداد ذلك.*

📍أوجه الشبه في التجارب الإنسانية لا تخطئها البصيرة ، والذين احتفلوا بانتفاشة المرتزقة عند بداية الحرب قد بدؤوا يتجرعون مرارة كؤوس الهزيمةكل يوم ، وقد علموا برأي العين أن ليست النائحة الثكلى كالمستأجرة ، وشتان ما بين المدافعين عن الأرض والشرف والقيم وما بين المرتزقة الأجانب عديمي الشرف والأخلاق ، والحق يعلو ولا يُعلى عليه ، وقد كثُر بين الناس أن التاريخ يعيد نفسه ، وكذلك انتشر بينهم أن الناس لا يتعلمون من دروس التاريخ ، وكفى بالقصص القرآني مُعتَبراً لكل ذي قلبٍ وعقل.

*والحقُّ يعلو والأباطلُ تسفُلُ*
*والحقُّ عن أحوالهِ لا يُسألُ*

*وإذا استحالت حالةٌ وتبدَّلت*
*فالحقُّ عزَّ وجلَّ لا يتبدَّلُ*

٢٢ يونيو ٢٠٢٤م

Exit mobile version