مقالات الرأي
أخر الأخبار

الخط المستقيم … النخب و الفشل السياسي .. بقلم/ وفاء سعد عمر .. خبير التربيه الإيجابية- مركز الخبراء العرب

بما تيسر لي من أمل… أقطع تذكرة عبور لأسكن في روح ذلك الرجل السوداني، أدثر فؤادي بمعطفه الممزق… أطوق خطواتي بنبض قلبه الكبير، ما زلتُ أستطيع رؤية صورته بوضوح… كانت عشية ليلة باردة نجمع فيها تبرعات (كسوة شتاء) للسودانين النازحين الذين يقطنون المعسكرات بسبب الحرب، كنت أقف أمام أحد الصناديق عندما شاهدته يتقدم نحوي بخطواته الثقيلة و ظهره المنحني الذي يحكي قصة انكسار طال و لم ينتهي، اقترب من صندوق جمع التبرعات و أخرج من جيبه مبلغ زهيد حملته يده الضخمة المجعدة، التي ترسم عروقها البارزة لوحة من الكد و الشقاء، أودع المبلغ في الصندوق ثم نظر إلي نظرة بهية و قال باسمًا :”ليس بإمكاني أن أمنع نفسي وفقكم الله” ثم استدار و انصرف… ما زالت كلماته تتردد في ذاكرتي تعيد الهدوء و السكينة لروحي، كلماته ملخص للكرم، و النخوة، و الشهامة، و للتسامح و الإحسان الذي أضاء قلبه بالنور.

إن تلك الإنسانية التي في داخل هذا الرجل، و التي دفعته لمساعدة الآخرين رغم حاجته الماسة، ما هي إلا تمثيل للشعب السوداني و تجسيد لعظمته و شموخه و كبريائه، و هذه ليست شهادتي بل شهادة كل شعوب العالم… فهم يدركون تلك الصفات الحميدة و الأخلاق الكريمة، وكأننا اقتسمنا تفاحة الأنبياء… فهل نستحق بتلك العظمة أن تحكمنا نخب سياسية لا تستطيع أن تحقق لنا أحلامنا و طموحاتنا التي اضمحلت حتى انحصرت في وطن آمن، و رغيف خبز مغمس بالكرامة و العزة؟؟؟

نحن الشعب السوداني الذي عاش أقبح حرب في العصر الحديث، و حصد ويلاتها من دمار شامل و قهر وظلم و شتات و غربة و حسرة، و خسائر لا حصر لها مادية ومعنوية، قد تلبّسنا من تحت هذا الرماد الوعي الكامل، و النضج التام، و الفهم العميق لكارثتنا، كيف نشأت؟ و من دعمها؟ و ماذا سينتج إن تهاونا في حقنا، إن المحنة زادتنا يقين بأن االسودان لنا، فنحن ملح أرضه المروية بدماء شهدائنا … فلن نسمح لنخب سياسية تضل طريقها بمجرد اعتلائها كراسي السلطة، فتدس السم في ثوراتنا الجماهرية، و تمتطيها بالأكاذيب و الشعارات التي لا تصنع تغيير… بل إن المرارة في أن هذه النخب السياسية تصبح أداة حادة تجتذ طموحاتنا لمصلحة مخطط خارجي يسعى لإضعاف السودان عسكريًا و اقتصاديًا، فلا يوجد تيار أو حزب سياسي سوداني، حسه و همومه و رؤيته نابعة من وجدان سوداني خالص، بل يقاد من جهات خارجية، و أكبر دليل على ذلك هذه الحرب التي أشعلت نتيجة الفشل السياسي و عدم قدرة السياسين على خلق تحول مدني ديمقراطي رغم مساندة كل الشعب لهمبعد ثورة ديسمبر المجيدة.

الآن صحونا و بِتنا قادرين على فهم ما يدور في الأروقة، أصبحنا نعرف أن بداية الطريق بعد انتهاء الحرب تكمن في نزع الأسلحة من كل فرد، و انضمام الحركات المسلحة جميعًا تحت لواء الجيش، و تقوية الجيش و تعزيزه فهو المؤسسة الراسخة الثابتة التي لا تقبل البيع و لا تساوم في حمايتنا و أن قيمها لا تتزعزع …

الخطوة الثانية ضرورة ترسيخ علاقاتنا الدولية، ودحر العدواة بيننا وبين دول الجوار، التي استغلها الدعم السريع بحيله لتكون بوابة لتمويله بالعدة والعتاد… ويتم ذلك من خلال تأسيس مصالح مشتركة، وعقد شراكات مستدامة تعود بالفائدة للطرفين.. و من ثم تأتي المرحلة الأهم و هي وضع الخطط الاستراتيجية و تنفيذها على أيدي كفاءات وطنية بروح سودانية مستقلة نزيهة شريفة، حريصة على هذا الوطن الجريح وشعبه الرائع، تتواصل معنا تواصل فكري قائم على الشفافية و الحقيقة لا التخرص، و على الشمول لا الاجتزاء، و على العقلانية لا الغوغائية فالغوغائية في كل حالاتها استجاشة للغرائز الدنيوية.

فالشعب السوداني لن يقبل بعد اليوم أن يحكمه الجهلاء، و الفُسّاد، و الرجرجة و الدهماء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى