
تقرير اخباري: مركز الخبراء العرب
“إننا نشهد ظروف مجاعة مروعة في أجزاء من شمال دارفور و خطراً متزايداً للمجاعة في مستوطنات أخرى و مناطق متضررة من الصراع، و خاصة في دارفور، و جنوب كردفان، و الخرطوم و الجزيرة”.. كانت هذه الفقرة هي ضربة البداية لـ”سيناريو” تم إعداده بصورة دقيقة من قبل العديد من المنظمات المتعاونة مع الأسرة الدولية في الشأن الانساني في السودان و قد عبر ذلك البيان الصادر عن منظمة الأغذية و الزراعة (الفاو) في أواخر اغسطس من العام الماضي.
و قال مصدر رفيع بمفوضية العون الإنساني السودانية في حديثه لـ”مركز الخبراء العرب” أن السمة الغالبة لبيانات منظمة (الفاو) حول الوضع الغذائي في السودان هو حديث غير صحيح، و قد رصدت الحكومة الكثير من التقارير المتضاربة في بيانات المنظمة التي تمضي في اتجاه نشر ما يُفزع العالم حول وجود بوادر “مجاعة” في السودان بأرقام و احصائيات بها الكثير من الخلط المتعمد إرضاء لأجندة دولية يهمها جداً أن تسقط الظلال الأمنية الناتجة عن الحرب في السودان على الوضع الانساني و محاولة الدفع به نحو قرارات “أممية” ذات طابع سياسي.
و كشف المصدر أن السودان ظل مع مراقبته لهذا المخطط الذي تم من خلاله استخدام منظمة الأغذية و الزراعة (الفاو) لتنفيذه يحشد بالمقابل قوة دفع دبلوماسية وضحت بصورة جلية في جلسة مجلس الأمن الأخيرة التي جاءت عكس ما توقعت الكثير من الدول الأوروبية خاصة بريطانيا “حاملة القلم” بالمجلس و التي حاصرت مداخلاتها المداولات التي حظيت بمناقشات واسعة في جلسة الإحاطة الأخيرة، و أبان أن الحكومة السودانية تُقِرّ بوجود حاجة ماسة إلى الموارد لتلبية الاحتياجات المتزايدة و الحد من انعدام الأمن الغذائي عبر استئناف و تحديث طرق الإنتاج الغذائي المحلي بالمناطق غير المتأثرة بالحرب، و تبذل في الوقت نفسه جهوداً مقدرة في هذا الاتجاه تهدف إلى زيادة الإنتاج المحلي و استعادة سبل العيش في خضم الأزمة.
و شهدت جلسة مجلس الأمن التي رصدها “مركز الخبراء العرب” مساء الإثنين الماضي الماضي تبايناً في آراء الدول الأعضاء في حول إعلان المجاعة في السودان، و ذلك في سياق تقرير التصنيف العالمي للأمن الغذائي. حيث أبدت كل من بريطانيا و الولايات المتحدة و فرنسا دعمها للتقرير الذي أشار إلى وجود “مجاعة” في خمس مناطق سودانية، فيما أيدت روسيا و الصين موقف الحكومة السودانية، حيث انتقدت المنهجية التي تم بها إعداد التقرير و اعتبرت أن هناك تسييساً للعمل الإنساني.
و فنّد مندوب السودان لدى الامم المتحدة السفير (الحارث إدريس) أمام جلسة مجلس الأمن حول تقرير التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC) الصادر في 24 ديسمبر 2024، و يغطي الفترة ما بين أكتوبر 2024 و مايو 2025، و الذي يورد ظهور مرحلة المجاعة في خمس مناطق في السودان.
و قال إن النتائج التي توصل إليها التقرير و المنهجية المتبعة شابها الكثير من أوجه القصور المنهجية، علماً بأن اللجنة ذات طبيعة طوعية تساعد الحكومات و وكالات الأمم المتحدة و غيرها على تحليل و معالجة انعدام الأمن الغذائي و سوء التغذية.
و أكد الحارث أن هناك اشتراطات دولية و معايير فنية معتمدة لإعلان مجاعة في أي دولة أو منطقة، تتمثل في إجراء مسوحات فنية وافية مشتركة لتحديد الوضع الغذائي و التغذوي وفقاً لمؤشرات التصنيف المرحلي للأمن الغذائي، وفق نظام (من القاعدة إلى القمة) أي من مستوى القرى و الوحدات الإدارية و المحليات فالولاية المعنية ثم المستوى القومي.
من جانبه، دعا المندوب الصيني إلى ضرورة التحلي بالحياد و المهنية في تقديم التقارير حول الوضع الإنساني.
دعت باكستان المجتمع الدولي للتعاون مع الحكومة السودانية لمعالجة الأزمة الإنسانية في البلاد. كما أكدت على ضرورة أخذ ملاحظات الحكومة السودانية بشأن تقرير التصنيف المرحلي المتكامل بعين الاعتبار.
و قال مندوب باكستان: “يجب ألا يتم استغلال الوضع الإنساني في السودان كذريعة للتدخل الأجنبي ينبغي أن يتوقف هذا التدخل في النزاع الداخلي في السودان، و يجب احترام حظر الأسلحة الذي أصدره مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على البلاد.” و أضاف: “يمكن أن تؤدي الانقسامات الداخلية و التدخلات الخارجية إلى تدمير الأمم العظيمة. نأمل ألا تسمح الأطراف المتحاربة في السودان بزيادة التهديد على سيادة السودان و سلامة أراضيه”.
وفي السياق دعا ممثل الدنمارك إلى تحقيق الوصول الإنساني الكامل والآمن وغير المشروط، وفقًا لمدونات القانون الدولي الإنساني، مؤكدًا على ضرورة إيجاد حل سياسي لإنهاء النزاع. في هذا السياق، دعا ممثل كوريا إلى إنهاء الصراع بشكل عاجل، وإيقاف التدخل الخارجي الذي يساعد على تفاقم الأزمة، وأكد على أهمية التشخيص الدقيق والاعتراف بالوضع الإنساني في السودان.
و ألقت الدبلوماسية السودانية بثقلها على الملف عبر بيان صادر عن وزارة الخارجية نددت من خلاله باستنكارها الشديد لمحاولات استخدام ادعاءات، وصفتها بغير الدقيقة تتعلق بالأوضاع الإنسانية في السودان، كأداة للتدخل في شؤون البلاد الداخلية.
و أكدت الوزارة فى البيان الذي تحصل (مركز الخبراء العرب) على نسخة منه أن تلك المزاعم تهدف إلى النيل من سيادة السودان و زعزعة استقراره و تهيئة بيئة ملائمة للتدخلات الأجنبية و تحويل الشعب السوداني إلى شعب من اللاجئين و النازحين الذين يعتمدون كليًا على المساعدات الإنسانية.
و قال البيان أن وفد السودان قدم خلال جلسة الإحاطة بمجلس الأمن التي عُقدت أمس ملاحظاته الجوهرية حول تقرير منظومة التقييم المتكامل لمراحل الأمن الغذائي (IPC) الأخير، مشيرًا إلى أنه لا يعكس توصيفًا موضوعيًا و دقيقًا لواقع الأمن الغذائي في السودان.
و أشار البيان إلى أن التقرير استند إلى بيانات غير دقيقة لغياب المسوحات الميدانية منذ عام 2022، كما أنه تجاهل المؤشرات العلمية الموثوقة و لم يلتزم بالتوافق الذي تم مع الخبراء الوطنيين فضلاً عن تسريبه لوسائل الإعلام قبل عرضه رسمياً على حكومة السودان.
و أضاف البيان ،في سياق التقييم الموضوعي للوضع الغذائي، تشير التوقعات إلى أن إنتاج الذرة و الدخن هذا الموسم قد يتراوح بين(7-8) ملايين طن، و هو ما يفوق الاحتياجات المحلية التي تقدر بحوالي ( 4.5 -5) ملايين طن، و بالتالي فإن هذه المؤشرات تنفي تمامًا مزاعم حدوث مجاعة بل تبرز قدرة السودان على المساهمة على تعزيز الأمن الغذائي الإقليمي.
و أكدت الخارجية أن التحدي الإنساني في بعض المناطق المحدودة ناتج عن سياسة التجويع المتعمدة التي تمارسها مليشيا الدعم السريع، و هي جريمة دولية تستوجب الإدانة و المساءلة، كما تؤكد الوزارة أن الجهات ذاتها التي روجت في أغسطس الماضي لوقوع مجاعة بمعسكر زمزم للنازحين، و اعتبرت فتح معبر “أدري” السبيل الوحيد لمعالجتها، لم تسهم في تحسين الأوضاع رغم مرور خمسة أشهر على فتح المعبر، حيث استمر تصعيد المليشيات لهجماتها و قصفها المتواصل على المعسكر باستخدام المدفعية الثقيلة و الطائرات المسيرة.
و جددت الحكومة عبر البيان التزامها الراسخ بتخفيف معاناة الشعب السوداني، و تعزيز الأمن الغذائي و معالجة الأسباب الجذرية للأزمة الإنسانية مؤكدة حرصها الدائم على حماية سيادة السودان و استقلاله.