مقالات الرأي
أخر الأخبار

(المشتركة) .. ظاهرة عسكرية و نقطة تحول في التاريخ الاجتماعي .. بقلم/ د. محمد حامد الفكي ..مركز الخبراء العرب للخدمات الصحفية و دراسات الرأي العام

بعيدًا عن الجدل الدائر حول المجموعات المسلحة في دارفور و مبررات تكوينها لا نملك في هذه المرحلة من تاريخ السودان إلا نتقدم بالتحية والتقدير لقادة و جنود تلك القوات المساندة للقوات المسلحة في معركة الكرامة لأنها تجاوزت جغرافيا الإقليم و انطلقت لتدافع عن كل السودان.
لقد قدم أولئك الأبطال مثالًا يستحق الاحترام بهذا التوجه القومي و المشاركة الفعلية في حماية الولايات الآمنة كنهر النيل والقضارف وشاركوا في تحرير ولاية الجزيرة مشاركة لا تخطئها العين و لا تنكرها القلوب.
و كان لهم حضور مشرف في موقعة المصفاة، و هي من المعارك الفاصلة و ليس بالقتال وحده بل بكلمات تكتب في صفحات التاريخ بادر بها أحد أبطال (المشتركة) عند تحرير المصفاة حين قال (نهدي هذا الانتصار لمحمد صديق)، و هو و غيره يعلمون يقينا أن محمد صديق هو أحد (أولاد البحر) بالتصنيف الجهوي، و لكنهم حيال قضية الوطن لا يعرفون عنه إلا بطولته و ثباته أمام العدو، و يحفظون له أنه قد جاء إلى هذا المكان ليحقق ما تحقق لهم بعده، و أنه واحد منهم
و يبدو أن أبطال المشتركة قد تجاوزوا محطة الانتماء الضيق و انتقلوا إلى مستوى جديد أعلنوا فيه أنهم يحملون السلاح لأجل حقوق أهل السودان جميعا لا أهل دارفور وحدهم.
و يحفظ لهم التاريخ صمودهم في الفاشر و التصدي مع القوات المسلحة والقوات المساندة في ما يقارب ١٩٠ هجوما من المليشيا و مرتزقتها العابرين للحدود.
و لعلهم في صمودهم هذا يعلمون كما نعلم أن الفاشر ليست مجرد عاصمة لشمال دارفور و لا بقعة يقطنها بضع قبائل سودانية و لا حتى مجرد عاصمة تاريخية لواحدة من أهم السلطنات و الممالك في المنطقة و إنما هي جدار السودان الغربي فإن انهار امتد خطر الانهيار إلى الدولة السودانية كلها.
بهذا الصمود المبني على وحدة القضية وهذا الامتزاج لعناصر (المشتركة) مع المؤسسة العسكرية المكونة من كل طيوف السودان تنتفي فرضية الجهلاء المتطرفين الذين يزعمون أن شمال السودان عدو لغربه وأن أهل دارفور يسعون لتخريب الشمال أكثر من سعيهم لإعمار أرضهم.
هؤلاء الذين يسعون بالفتنة بين الناس إن لم يتعلموا من دروس (المشتركة)، و إن لم يعودوا إلى رشدهم فلا فرق بينهم و بين العدو الذي دمر بلادنا في عامين لأنهم يعرضون شعبنا و أرضنا للتدمير في أعوام قادمة.
إن أهل السودان الذين جمعتهم القيم و المكارم من قبل قد زادتهم هذه الحرب توادًّا و تقاربًا، و إن الذين يروجون لخطاب الكراهية هم نخبة متطرفة لا يمثلون مجتمعاتهم في غرب السودان و لا في شماله.
و إن العقد الاجتماعي القادم يفترض له أن يكون أوثق من السابق، و بُشراكم أهل السودان في غربه و شماله و في كل ناحية منه …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى