أنين المدن ..(و إن الجنجويد إذا دخلوا أرضاً فأبشروا بخرابها!) .. يوميات طالبة طب تحت الحصار .. بقلم/ براءة محمد حسن فضل الله

التاريخ ما زال يطوف بنا في ساحاته البرَّة، و عندما يتبادر إلى خواطرنا لفظ تاريخ نعتقد كما توعدنا أن الأمر ببعيد، لكني و كما أعني أنه سيبقى تاريخ مسطر، و ستبقى ذكراه داخل الأنفس و حكايا الأجداد، حتى بعد توالي الأجيال و مهما تطاولت علينا النكبات الأزمات و كثرت، ستبقى المرارة في حلوقنا و الشوق الأثيل إلى ماضٍ لم يعرف مليشيا الدعم السريع و لم يعلم ببعثهم الفساد و الرعب في نفوسنا.
بعد فجيعة (مدني) – أو كما أطلق عليها القول- تلك الفجيعة التي أصدأت النفوس، و شابت لها الرؤوس من شدة الفظائع و الإبادات التي طبقتها مليشيا الدعم السريع فيها، متجردة حتى من بلبلة ارتداء قناع الإنسانيه الذين ارتدوه من قبلها في تنفيذهم للإبادات و الاعتقالات القسرية و التعذيب على المواطن، و أثناء ما كان يعاني أهالي (ود مدني)، أيام مظلمة لا نور فيها، من بطش مليشيا الدعم السريع، من ضرب و سرقة و ترويع و تجويع، سمع أهالي (القطينة) دوي المدافع و هي تصرخ، و أصوات الرصاص فعلموا وقتها أن الدعم السريع قد داهم معسكر الجيش في منطقة (القطينة)، و كعادتنا نحن المواطنون من هول و رعب الإشاعات المنتشرة صرنا نكذبها و نعتبرها ضرباً من الوهم، و هكذا كان استيعابهم للخبر و انتشرت حالة عدم التصديق و عدم الأخذ به. و من هنا يتبادر بذهني سؤال خارج عن السياق، هل أصبحنا نأبى التصديق لعدم الوثوق بالأخبار المنتشرة و عدم الدراية بمن نقلها، أم أصبحنا نضع على أعيننا عشاوة عن الرعب المقذع حتى نستطيع أن نعيش!؟
و من هنا دخلت مليشيا الدعم السريع إلى (نعيمة) ،فعلم كل سكان المنطقة و أصبحوا على دراية و يقين أن مجئ ( الأشاوس)- كما يطلقون على أنفسهم- قد اقترب، وتبدلت حالة عدم التصديق إلى الخوف من الآتي،
و بذات سرعة نقل الإشاعات كانوا يتحركون بسرعة كالنار التي تبحث عما تأكله، و ليس هذا تعبيراً مجازياً، فقد كانوا يبحثون عما يأكلون من ذهب و أموال و سيارات و ممتلكات المواطنين البسطاء الذين لا ذنب و لا حول لهم و لا قوة،
و عمّ الخوف كل مقطن و كل شارع، فحيثما وجهت ناظريك ستجد الشوارع خالية من كل شئ عدا أقتار الرمال، خائفين من بطش مليشيا الدعم السريع. و سرعان ما انقطع التيار الكهربائي، و انقطعت شبكات الإنترنت و الاتصالات، و انقطعت المياه، و زاد خوف الناس و رَوعِهم، فالآن هم لا يدرون مدى قرب الأوباش منهم، و لا معرفة لهم أين ستكون وجهتهم، و في تضاربات عن أخبار مجيئهم و خوف كامن في الصدور من رؤيتهم، و دخل الدعم السريع إلى منطقة القطينة، و حينها سرقوا و(شفشفوا) ممتلكات السكان وسط تهديد بالسلاح و هم وسط فرحة ضريرة أنهم لم يتعرضوا لهم بضرب أو قتل أو اعتقالات، و لكن أقول دائماً إن الجنجويد إذا دخلوا أرضاً فأبشروا بدمارها.
غبار كثيف، جنود يرتدون ملابس متسخة مشربّة بالعرق و الأغبرة، و يرتدون في معاصمهم التمائم، أصوات تنذر بخطر مُحدِق، فقد سمع أهالي منطقة (الدرادر) أصوات الرصاص و بعد أن تبينوا الحدث علموا أن الدعم السريع قد أصابوا عشرة من الرجال فقط لأن واحد منهم كان يريد أن يعلم ما يريدون و غايتهم! سرعان ما توفي منهم ثمانية و الإثنان الآخران في جروح خطرة، و لا أحد يعلم ما الذي ألهمهم حينها لتبديل جو الصيام و تجهيزات عيد الفطر المبارك إلى حزن و جنازات لتشييع الشهداء و خاصة أن أكثرهم من فئة الشباب.
و حينها توالى قدوم المليشيات بهدف السرقة و القتل واعتقالات تعسفية لأناس أبرياء و تعذيب لمن يتم اعتقاله، و منهم من لا يُعلم مصيره إلى الآن، هذا غير الحصار للمواد الغذائية حتى حدث غلاء كبير و تضاعفت أسعار المواد الغذائية بصورة كبيرة، و كل هذا بهدف ترويع المواطن و كسر شوكته وروحه المعنوية.
حفظ الله وطننا الحبيب من شرور الدعم السريع و طغيانهم و جورهم على عباده البسطاء، و ندعوا الله أن يطهر البلاد من رجسهم و تدنيسهم لبلادنا الطاهرة.