
يرويها : مركز الخبراء
منذ أن هبطت طائرة الرئيس التشادي (محمد كاكا) مطار باريس اكتست ملامح “نجل دبي” عبوس و غضب مكتوم بدا أكثر وضوحاً في ذلك اللقاء الذي جمعه وجهاً لوجه مع الرئيس (ماكرون) في الثالث من أكتوبر الماضي، حيث طلب الرئيس الفرنسي من كاكا الانسحاب نهائيا من الصراع السوداني و الوقف إلى جانب الحكومة السودانية أو اختيار الحياد إذا كان ينوي إدامة نفسه في السلطة…فهل طاف بذهن ماكرون أن كاكا سيعصي قرار “رجل الإليزيه” !!
وما إن بدأت قمة الفرانكوفونية للتو أعمالها فاجأ كاكا باريس باتخاذه لقرار المغادرة إلى نجامينا، والتي لم يمكث بها الا ساعات معدودة إلا وطار بعدها مباشرة إلى أرض العرب الأثرياء جداً في الخليج؛ إلى الإمارات التي التقى “أميرها” و نقل له رغبة مطبخ القرار في الإليزيه مع تطمينات مؤكدة أنه بأنه سيدعم قوات الدعم السريع حتى سقوط نظام البرهان في السودان.
في المساء تم الترتيب لعقد إجتماع ضم “رجال حول الأمير” و كاكا وثلاثة من كبار الشخصيات في قوات الدعم السريع، و خلص الاجتماع الى وضع خطة حرب جديدة في السودان تبدأ بسقوط مدينة الفاشر، و نقل المواد الحربية، و إمكانية إرسال قوات تشادية إلى دارفور لإنقاذ جماعة “حميدتي” إذا لزم الأمر.
و بعد أسبوع واحد من الاجتماع كان مطار (أم جرس) يستقبل كافة المعدات الحربية ل (FSR) قبل إرسالها إلى دارفور و قد سبقتها عودة كاكا لانجمينا الذي منذ وصوله قام باستدعاء رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة ،أبكر عبد الكريم داود، المعروف باسم (كيركينو) للذهاب إلى القصر الرئاسي. كان (كيركينو) قد وصل للتو إلى القصر الرئاسي، و صدره يعج بالنجوم و الميداليات، و لم يكن يمشي؛ كان “ينزلق” و يتعثر في المشي. و أظهر وجه رجل وصل إلى نهاية أحلامه التي يخشي أن يتمدد فيها عدد من ضباط الجيش التشادي الذين ينتظرونه مع كاكا.
دخل (كيركينو) إلى صالة الاجتماعات في مكتب الكاكا، و هي صالة كبيرة إلى حد ما، مرتبة بذوق رفيع، مفروشة بأرائك ملكية و تلفزيون عملاق بشاشة مسطحة موضوعة على الحائط. احتلت صورة كبيرة محمد كاكا ما يقرب من نصف الجدار المقابل للباب، و هناك جلس محمد كاكا مع (طاهر إردا) و (سابور حسن إيريغي) و (عثمان آدم ديكي.)
بعد التحية العسكرية، شرع كاكا في شرح تطورات الصراع السوداني، و نوايا الإليزيه، و وعوده لأمير الإمارات العربية المتحدة و البترودولار الذي وعده به الأخير إذا تمكن من المساعدة الفاعلة في سقوط في مدينة الفاشر. ثم قال: “الحرب في السودان تدخل مرحلة حرجة و إذا خسرت قوات الدعم السريع هذه الحرب فإن قوتنا ستكون مهددة.
بالتأكيد، الفاشر لنا و لكن عندما ندافع عن مصالح الوطن، فإننا معفيون من الضمور و الأضرار المتعمدة. قبل يوم أمس، طلبت مني الإمارات إرسال قواتنا إلى الميدان بدارفور، و هذا أيضاً في مصلحتنا و ها أنا أخبركم فيم أفكر).
نظر (كيركينو) وجهاً لوجه إلى مُحاوِره بينما أومأ الآخرون برأسهم بعناية، و أومأوا برؤوسهم لإظهار مدى امتعاضهم و عدم تفهمهم من ماقاله كاكا، غير أن (كيرينو) الذي التزم الصمت لبضع ثوان قال بعدها: ( سيدي الرئيس، أنا أعصيك هذه المرة. لن يسمح لي ضميري أبدا بأن أكون مع الجنجويد و أن أهلك مدينة الفاشر. كان أهل هذه البلدة كانوا مصدر نجاح MPS، و دعمونا و أطعمونا حتى وصول MPS إلى السلطة و… قاطعه الرئيس محمد كاكا قائلا :(أنا من يقرر، لست بحاجة إلى آرائك، سأبلغك و هذا كل شيء) … و لكن الذي لم يتوقعه كل الحضور بالاجتماع هو ما جاء على لسان كيريكينو: (في هذه الحالة، أزلني من واجباتي و افعل ما تعتقد أنه جيد)…انتهى الاجتماع.
و يبدو أن الحروب الدبلوماسية الصامتة بين باريس و نجامينا أغرت أبو ظبي بالتدخل لصالح اللعب بورقة كاكا في الصراع السوداني، وحولت الأمر إلى أزمة دبلوماسية حقيقية بين فرنسا و تشاد أسفرت عن وجهها بعد أن ابتعث الفرنسيون مؤخراً وفداً دبلوماسياً لانجمينا للتأكد من صدق وعود و نوايا كاكا.
و في مطلع الأسبوع الماضي هبطت الطائرة التي تحمل رئيس الدبلوماسية الفرنسية و وفده على مدرج مطار (حسن جاموس) الدولي. و رحب بهم رئيس الدبلوماسية التشادية، “عبدرمان كولام”، و مستشار محمد كاكا الجديد للشؤون الأفريقية و الدولية، كيريمو ديبي، بعد ذلك، ذهب الدبلوماسيون إلى وزارة الخارجية التشادية.
و بعد بعض تبادل البروتوكولات ذهب رئيس الدبلوماسية الفرنسية و السفير الفرنسي إلى قصر (توماي) للقاء كاكا برفقة (عبدرمان كولام) و (كريمو ديبي) لجنة المباحثات التي خاطبها رئيس الدبلوماسية الفرنسية: “دعت فرنسا إلى إنهاء دعم البلدان المتحاربة في الصراع السوداني حتى تنتهي الحرب في السودان للتخفيف من معاناة و فزع الشعب السوداني المصاب بالكدمات. نحن هنا لنطلب منك إنهاء دعمك لقوة الاستجابة السريعة (RSF) و العمل كميسر”.
عندها لم يجد كاكا أمامه خياراً غير الذي التزم به للإمارات، فتحدث حديثاً أقرب للصراخ و خلا من “رزانة الرؤساء” حتى وجد مسئول المراسم (إدريس صالح بشار) نفسه في حرج بالغ كأنه صدم من “تفاهة رئيسه”، فقام بتدوين الملاحظات لإخفاء “هزة” ظهرت في حركة يديه بصورة واضحة، و اضطر كاكا أن يختم الاجتماع بفرنسية ركيكة قائلاً: “بلدنا ذو سيادة و لا يمكن لأي بلد أن يُملي علينا ما يجب علينا القيام به. زيارتي الأخيرة إلى باريس، كنت واضحاً جدا مع رئيسك. لا داعي للإصرار”.
و خرج رئيس الدبلوماسية الفرنسية بعد الاجتماع تعلو وجهه بعض ملامح الغضب، و ماهي الا ساعات قليلة من زيارة رئيس الدبلوماسية الفرنسية لمخيمات اللاجئين السودانيين إلا و أعلنت نجامينا عن نهاية اتفاقيات الأمن و الدفاع مع فرنسا و تعلن في الوقت نفسه التزام -مسكوت عنه- لدولة الامارات بكل ما تم الاتفاق عليه بين (الأمير) و كاكا الذي منح الضوء الأخضر لطائرات بدون طيار أن تطير بعيدً عن مطار (أم جرس) و تقصف مدن سودانية بالمسيرات هما (عطبرة و مروي) ، و الأخيرة أشار اليها وزير الدفاع السوداني دون مواربة في آخر مؤتمر صحفي عقده مع وزير الإعلام بمدينة بورتسودان!!
و من خلال السرد يخرج السؤال الموضوعي: “هل يرغب كاكا في إضفاء الطابع الرسمي على الحرب ضد السودان و يفكر في تدخل عسكري على الأراضي السودانية؟”.