مقالات الرأي
أخر الأخبار

وجه الحقيقة … اجتماع كامل العدد .. بقلم/ إبراهيم شقلاوي

من المعلوم أن أغلب اجتماعات الخدمة المدنية نادرًا ما تلتئم بكامل العدد، و ذلك لأسباب تتجاوز الشواغل الشخصية و الارتباطات المهنية الأخرى، إذ توجد مهام ميدانية طارئة تعيق حضور الجميع. لدرجة أن أحد الوزراء الاتحاديين في فترة سابقة كان يختار أماكن للانعقاد خارج العاصمة أو في عطلة نهاية الأسبوعية، و أحيانًا عقب صلاة الفجر لضمان مشاركة الجميع. هذه الأفكار جالت بخاطري و أنا أتابع انعقاد اجتماع والي الخرطوم الأول، عقب حرب 15 أبريل 2023، التي أشعلتها مليشيا الدعم السريع و داعموها المحليون و الإقليميون في مقر الولاية بالخرطوم المحررة من سيطرة المليشيا.

ما لفت انتباهي أكثر هو اكتمال الاجتماع في مشهد وطني يعكس تحديات المرحلة و تعقيداتها. فالمكاتب أصبحت خاوية من الأثاث الذي ننُهب أو أُحرق، لكن روح التحدي و الإصرار دفعت العاملين للمشاركة بفاعلية. المهام الملقاة على عاتقهم جسيمة، و الزمن قد أُهدر كثيرًا بينما تنتظر البلاد جهودًا ضخمة لإعادة الاستقرار و إعمار ما دمرته الحرب.

بادرت ولاية الخرطوم بعقد اجتماع اللجنة العليا للطوارئ وإدارة الأزمة تنفيذًا لدعوتها للوزارات والوحدات الحكومية بالعودة إلى مقارها وتفقد أوضاعها. ترأس الاجتماع رئيس اللجنة، والي الخرطوم الأستاذ أحمد عثمان حمزة، في مقر أمانة الحكومة بشارع النيل. ورغم تعرض المبنى لتخريب شامل، استمر الاجتماع لأربع ساعات، ناقش خلالها المجتمعون برنامج التدخل العاجل لإعادة الحياة للعاصمة القومية والمحليات المحررة.

أكد والي الخرطوم، بعد جولته الميدانية، أن التخريب الممنهج طال البنى التحتية، لا سيما محطات وكوابل الكهرباء والمياه، مما يستدعي دعم الحكومة الاتحادية والشركاء الدوليين لاستعادة الخدمات الأساسية. تضمن برنامج التدخل العاجل تأمين المرافق العامة والأحياء السكنية، ورفع الجثث ودفنها، وتنظيف الشوارع، وإعادة تشغيل خدمات المياه والكهرباء. كما وجهت الولاية نداءً للحكومة الاتحادية ومفوضية العون الإنساني لزيادة حجم المساعدات الغذائية للمواطنين الذين عانوا من الحصار.

لم يكن اجتماع الخرطوم بكامل نصابه مجرد لقاء إداري، بل كان إعلانًا عن مرحلة جديدة من البناء و التعافي، حيث تتصدر الأولويات إعادة الخدمات، و استعادة الأمن، و ترتيب الأوضاع بما يعزز عودة العاصمة و صمودها في مواجهة تداعيات الحرب و وضعها على طريق التعافي و استعادة الأمن و السلام.

في السياق ذاته، نظّمت ولاية الخرطوم ورشة عمل بمدينة بورتسودان في 17 سبتمبر 2024، تحت رعاية رئيس مجلس السيادة، الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، بهدف تطوير مبادرة “نداء الخرطوم” و تحويلها إلى برنامج شامل للتعافي و إعادة الإعمار. شارك في الورشة ممثلون عن الحكومة الاتحادية، و ولاة الولايات، و البنوك و المؤسسات التجارية، و اتحادات أصحاب العمل، و منظمات المجتمع المدني و خبراء في مجال الإعمار. تم تقديم أوراق عمل تناولت حجم الدمار الذي لحق بالبنية التحتية، و التحديات التي تواجه عملية إعادة البناء، بالإضافة إلى رؤية استراتيجية لإعادة المرافق المتضررة.

هذه الورشة كانت خطوة مفتاحية في وضع الأسس السليمة لإعادة الإعمار، و هو ما يستوجب تنفيذ مخرجاتها التي وجدت صدى واسعًا و اهتمامًا كبيرًا و التزامًا من كافة الشركاء المحليين و الدوليين بالمساهمة في إعادة البناء.

إن التخطيط لعملية إعادة الإعمار يتطلب وقتًا كافيًا و توسيع دائرة النقاش، لكن استمرار الحرب لا يعني توقف الحياة. بل ينبغي أن تسير عمليات تقدم القوات المسلحة جنبًا إلى جنب مع إعادة الخدمات للمناطق المحررة. من الضروري أن تتبنى الحكومة الاتحادية و الشركاء المحلين و الدوليين إعادة تأهيل المرافق الأساسية، خاصة الكهرباء و المياه، و المستشفيات التي تعرضت لتخريب. أرقام غير رسمية قدرت الخسائر المادية ب 140 مليار دولار تقريباً.

على صعيد الدعم الدولي، بحث والي الخرطوم مع وفد منظمة الهجرة الدولية مساهمة المنظمة في برنامج التدخل العاجل، حيث أبدى رئيس البعثة (محمد رفعت) التزامه باستقطاب دعم دولي لبرنامج التعافي، و المساعدة في عودة النازحين و ترحيل الأجانب غير الشرعيين. و أشار إلى حجم الدمار الذي لحق بالبنى التحتية، مؤكدًا ضرورة تضافر الجهود لإعادة إعمار المرافق الحيوية.

يجب أن تدرك ولاية الخرطوم أن مواطنيها تحملوا الكثير من ويلات الحرب، و أن المرحلة القادمة تتطلب تكاتف الجميع، سواء من الحكومة الاتحادية أو الشركاء الدوليين، لإعادة الخدمات و تحقيق الاستقرار، مع فرض سيادة القانون في كافة مناحي الحياة و المعاملات، لا سيما فيما يتعلق بتنظيم وضع الأجانب غير الشرعيين وفق القوانين الدولية.

عليه وبحسب ما نراه من وجه الحقيقة، فإن استعادة الخرطوم لحياتها الطبيعية تحتاج إلى تضافر الجهود، و كانت ورشة بورتسودان خطوة في الاتجاه الصحيح، إذ وضعت تصورًا عامًا لإعادة الإعمار. لكن التحدي الأكبر يكمن في تنفيذ هذه المقررات على أرض الواقع، خاصة في ظل الحاجة إلى دعم دولي و إقليمي لمعالجة الدمار الهائل الذي لحق بالولاية. الخرطوم اليوم أمام لحظة تاريخية مفصلية، فإما أن تتضافر الجهود لإعادة بنائها، أو أن تبقى رهينة لتداعيات الحرب و آثارها المخزية.

دمتم بخير و عافية.

الجمعة 4 أبريل 2025 م. Shglawi55@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى