
– (الكنابي) في ولاية الجزيرة و هي معسكر (camp) العمالة المؤسمية بمشروع الجزيرة حيث يرجع تاريخ إنشاء أول (كنبو) في العام 1923م لتجهيز الحقول عقب عمليات الهندسة الزراعية تمهيدًا لتشغيل مشروع الجزيرة الذي دخل الانتاج الزراعي و الحصاد لمحصول القطن في العام 1926م.
– ليس لسكان (الكنابي) إثنية محددة إذ أن العامل المشترك لتوافدهم الى مشروع الجزيرة هو العمل في عمليات تجهيز و فلاحة الأرض و حصاد المحاصيل الزراعية و كسب لقمة العيش الحلال، لم تجمعهم قبيلة او عصبية، بينهم من وفدوا من خارج السودان و هذه حقيقة معروفة و لكن جُلهم سودانيين لهم حق العيش الكريم في كل بقعة من بقاع الوطن الكبير تحت ثوابت الارض المتفق عليها عرفًا و شرعًا في ملكية الأرض، فالسودان يسع الجميع و لكن تظل (حواكير) دارفور ملك لأهلها و حقول دلتا طوكر ملك لأهلها و كذلك (جبراكات) كردفان و جروف الشمال، لا يستطيع أحد أن يتجرأ على حقوق الملكية باسم الهامش و التهميش تلك العبارة الفضفاضة التي تحمل في ظاهرها الحقوق و في باطنها الفتنة.
– ظل سكان الكنابي منذ العام 1923 محل تقدير و امتنان من سكان الجزيرة تعلم أبنائهم جنبًا الى جنب مع أولاد الجزيرة و وصل بينهم الود في التلاقي في الأفراح و الأتراح و أواصر الراوبط الاجتماعية و الثقافية و الرياضية و في بعض الأحيان التصاهر و بروز عنصر و مكون إثني ثالث من عمليات المصاهرة.
– التعايش السلمي والاحترام المتبادل بين سكان الكنابي و قرى الجزيرة كان السمة المميزة و النموذج المحتذى لاندماج الحراك البشري و الاجتماعي، لم ينكر أهل الجزيرة وجودهم بينهم، و فيهم من انفتح على المجتمع و انتقل من ممارسة الأعمال الزراعية إلى المهن الصناعية و الهندسية، و تواتر إلى مجتمعاتهم من تخرجوا من الجامعات و تحصلوا على أعلى الدرجات العلمية أطباء، مهندسون، أساتذة جامعات حملة درجات علمية رفيعة.
– من هنا بدأت رحلة البحث عن الذات وتضخيم الحقوق المطلبية بدعاوى التهميش وعدم امتلاك الارض عبر الخطط الاسكانية لامتدادات قرى الجزيرة التاريخية بينما نال معظمهم أراضي الخطة الاسكانية بالمدن الكبيرة و تملك منهم الكثير للأراضي عن طريق البيع و الشراء و هذا حق أصيل طالما كان عبر التراضي و حلال البيع و الشراء.
– للأسف عمدت الطبقة المتعلمة من أبناء الكنابي على تنمية روح الكراهية ضد سكان القرى و تصور لهم ادعاء الحقوق على حساب أصحابها ،لم يعمل أبناء الكنابي المتعلمين و هم يحملون ثقافة ابن الجزيرة المتسامح المنفتح على الغير و يوظفونها لصالح الترابط الاجتماعي و بناء مجتمعات جديدة أساسها الاحترام المتبادل و الاعتراف بسماحة مجتمع أهل الجزيرة الذي شكل لوحة سريالية جمعت كل أطياف القبائل السودانية.
– لعل المشهد قد تغير عقب استباحة مليشيا الدعم السريع المتمردة لولاية الجزيرة و انخراط اعداد كبيرة من ابناء الكنابي الذين تتراوح أعمارهم بين ال 17 الى 40 عام و ساهموا تحت عصابة المليشيا في أعمال النهب و السلب و التنكيل بسكان القرى، و الحق يقال ان ذلك تم تحت رفض وامتعاض الآباء و الأمهات، إلا أن المواطنين بالقرى قد شاهدوا ذلك على مرأى من البصر بالشواهد و الأدلة القاطعة.
– كل ذلك لا يبرر على الاطلاق الهجوم الشرس و لغة الوعيد للانتقام من سكان الكنابي خاصة أن قطاعًا كبيرًا منهم بريء مما فعله الصبية (الحاقدون) من أبنائهم ، فليكن شعار أهل الجزيرة التسامح و انتهاج الشرع و القانون مسلكًا للعقاب خاصة أن المعركة قد حسمت لمصلحة الشعب و قواته المسلحة و عادت الحقوق إلى أصحابها.