مقالات الرأي
أخر الأخبار

السودان..الأزمة المنسية و فرص الميدان (الأكبر) .. بقلم / إبن زياد

■ هل ستشهد الأزمة المنسية فرص للمصالحة بين الإمارات و السودان أم مزيد من تدفق الأسلحة و الذخائر؟؟

■ وهل سيكون لتركيا نجاح آخر فى أزمة السودان بعد نجاحها فى حسم أزمة سوريا؟

أسئلة كثيرة تنتظر الساسة، و المفكرين، و أصحاب القرار و بالتأكيد الشعب السودانى الذي يدفع ثمن الحرب بكل أطيافه و قواه. فاستمرار الحرب حتى النصر أو إيقافها بأجندة النصر -و ليس الهزيمة- هو ما ينبغى أن يتبادر و يغلب على مدى الرؤية و منطق الإدراك و الفعل السياسي، ذلك أن عوامل النصر ليست كلها داخلية فى عالم اليوم، إتقان فن الحرب فى العصر الحديث لا يعتمد فقط على تكديس و تنويع الأسلحة و لا التكتيك و الدهاء العسكري؛ فميدان المعركة أصبح أوسع كثيراً من ميدان المعركة التقليدي القديم الذي لم تكُن تحركات الجيوش تُرصد بالأقمار الصناعية فتفشل كل عناصر مفاجأة الخصم و الذى لم تكمن فيه تقاطعات جيواستراتيجية للمصالح.

هذا هو الدرس الأكبر و الأعمق للدولة السودانية و مؤسستها العسكرية و الأمنية من الحرب الدائرة. العقيدة العسكرية و الأمنية لا بد من إعادة النظر فيها بعد الحرب لبناء مؤسسات و أجهزة حديثة تواكب مستجدات العصر، و لا تسمح بخلط الأدوار، و حمل السلاح و تكوين المجموعات المسلحة خارج نطاق مؤسسات الدولة العسكرية و الأمنية.

فى العصر الحديث لم يعد تحقيق أجندة الأمن القومى و السلم الاجتماعى و الاستقرار السياسي للدولة قصراً على الغرف المغلقة و العقول المغلقة و القرار المنفرد، بل هى أجندة شاملة تبدأ من رتق الشرخ الداخلى، و جمع شتات أبناء الأمة و مجموعاتها، و احترام أيدلوجياتها و مكوناتها المتنوعة، مروراً بأجهزة الدولة الدبلوماسية و الإعلامية و الاقتصادية و السيادية التى يجب أن تحتضن النخب و الأذكياء و الخبراء و القوى الأمين.

فالأمن القومى لا يترك لرئيس منفرد أو قائد ملهم قد يصل به الحال إلى قرار منفرد بالهروب أو الاختفاء فى حفرة أو السقوط و الاستسلام. كل هذا مفهوم و مشاهد و أمام الأعين و الآذان فى عالم اليوم.

صراع الأيدلوجيات غير الناضجة لا ينبغى أن يتحول إلى صراع سياسي مدمِّر. لقد أبلت القوات المسلحة بلاءً حسناً طِوال ما يقرب من العامين، و تمكنت خلالها أجهزة الأمن من جماع شتاتها و ضرب التمرد فى مقتل، و لكن دروس التاريخ الحديث جداً تشير إلى أن حرب الثلاثة عشر عاماً فى سوريا حُسمت على غير ما هو متوقع بمعادلة خارجية جيواستراتيحية لأطراف الصراع. و برز الدور التركى واضحاً فى تحول اتجاهات الصراع و عجز النظام السوري و جيشه و أجهزته القمعية و قد بات مكروهاً من جميع الأطراف.

لقد استثمرت المعارضة السورية فى الممكن و السياسة هى فن الممكن، فهل تستثمر الحكومة و الجيش فى الممكن السودانى الجيواستراتيجي أم أن المعركة سيقودها فقط أبطال القوات المسلحة و الأجهزة الأمنية و المستنفرين دون الاستثمار فى فن الممكن قبل أن تستثمر قوى (تقدم) و مستشارو الميلشيا المناوئة للدولة فى ذلك الفن؟ و يُـترك لهم الفضاء للهروب إلى ميدان آخر لنزع الشرعية و إطالة أمد الحرب ما دامت تحفظ وجودهم فى الساحة و تدر و تغدق! مستقبل المعارضة السياسية السودانية بكل أطرافها و أطيافها يجب أن يُضمن و يُعترف به بعيداً عن أجواء الكراهية فهى لا تفيد أياً من الأطراف. و ما رشح من أخبار عن دور تركى دبلوماسي و سياسي لإنهاء الصراع يجب أن يتقدم الصفوف الآن فتركيا وزنها و موازنتها فى الحفاظ على شرعية و كيان الدولة السودانية.

بعد سقوط النظام السورى القهري تتناقض التصريحات هنا و هناك و تتضارب التحليلات، و يحاول البعض إسقاط السيناريو على الأزمة السودانية الوضع فى أزمة السودان قد يختلف فى ملامحه و مصالحه و أطراف الصراع فيه.

ففى حين يطلق (عرمان) تطمينات لزمرته بأن الدرس السورى يعلمهم أن المعارضة -و إن طال الزمان- ستكتب بيان النصر فإن الطرف الخاسر و المكروه دولياً و داخلياً هو طرف المعارضة و مليشيا التمرد التى تشبه نظام الأسد؛ المليشيا المتمردة هى أشبه ب(شبيحة) سوريا و هى عنوان القهر و الدمار فى سوريا.

الجيش و مجلس السيادة و أجهزة الدولة تمثل الشرعية و حالة الدفاع عن الأمن القومى و الاجتماعى و عن سيادة البلد من اعتداء مرتزقة من ثمانية عشرة دولة. لقد ركبت مجموعات (قحط) و (تقدم) الحصان الخاسر منذ البداية، و أمامها فرص ضئيلة الآن للابتعاد عن اللعب بالنار بمحاولة نزع شرعية الحكومة التى تمثل الشعب. و أمام الحكومة الفرصة الأكبر لحسم الصراع فى ميدان المعركة الأكبر و الأوسع و ليس الميدان التقليدي فقط.و سترون أي منقلب سينقلب التمرد و قادته، و استلام الجزء الأكبر من مقاتليه و انضمامهم للقوات المسلحة كما فعل كيكل. التمرد ليس له قضية يقاتل من أجلها و ظهر ذلك فى مستوى تصريحات مستشاريه و تلعثمهم فى القنوات الفضائية و كذلك ظهر ذلك فى تهرب قادة (قحط) و (تقدم) و تأخرهم و هروبهم عن التحدث باسم المليشيا و إنكارهم صلتهم بهم.

الإمارات خسرت فى سوريا فهل هى على استعداد لتخسر فى السودان أيضاً؟

لا أظن أن الإمارات و دول الجوار ستراهن على الحصان الخاسر، فهل سيحدث التحول الدراماتيكى فى أزمة السودان عاجلاً أم آجلاً مع وصول سيد البيت الأبيض الجديد -صديق الأتراك- ؟! و لله الأمر من قبل و من بعد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى