
مع هزيمة مليشيا الدعم السريع في الميدان، تنتقل المواجهة إلى ساحة جديدة، لا تقل خطورة عن القتال المباشر، و هي حرب المعلومات و الدعاية السوداء. فبعد فشلها في تحقيق مكاسب عسكرية ضد الدولة و المواطن، لجأت هذه الأيام المليشيا و داعموها المحليون إلى استخدام الحرب النفسية كأداة لإشاعة الخوف و زعزعة الاستقرار في المناطق المحررة بولاية الخرطوم أو التي ظلت آمنة تحت سيطرة الجيش.
في الأيام الأخيرة، انتشرت على منصات التواصل الاجتماعي منشورات تحذيرية تزعم وجود حالة انفلات أمني واسع في المحليات التي استعادت الدولة السيطرة عليها. و رغم أن القلق الأمني مشروع في سياق ما بعد الحرب، إلا أن الصياغة المكثفة لهذه الرسائل، و تكرارها في أوقات محددة، يشير إلى حملة ممنهجة تهدف إلى خلق حالة من الفوضى، حيث يتم استخدام لغة مثيرة مثل ” إحذروا التحركات المشبوهة” و “لا تتحركوا منفردين” لتعزيز الشعور بالخطر المستمر، مما قد يدفع المواطنين إلى التشكيك في قدرة مؤسسات الدولة على بسط الأمن.
كما تسعى هذه المنشورات إلى الترويج لرواية المليشيا عبر الإيحاء بأن السودان بأكمله يعيش في فوضى، لتبرير ادعاءاتها بأن الأوضاع كانت أكثر استقرارًا قبل عمليات التحرير. إضافة إلى ذلك تتضمن هذه الرسائل تحريضًا غير مباشر من خلال عبارات توحي بضرورة التسليح الذاتي للأفراد، مثل ” أحمل السلاح قربك دائمًا”، وهو ما قد يؤدي إلى تصعيد غير محسوب يخدم مصالح المليشيا وداعميها ويكرس مفهوم انعدام الأمن. كما يبرز تركيزها على النساء كفئة ضعيفة تحتاج إلى حماية بأن “لا تتحركوا وحدكم”، في محاولة لإثارة الخوف داخل الأسر و تعطيل عودة الحياة إلى طبيعتها.
و ما يزيد من خطورة هذه الدعاية هو اعتمادها على مصادر مجهولة، حيث يتم تداولها عبر منصات غير معروفة مثل “قنوات الواتساب” دون أن تكون صادرة عن جهات إعلامية موثوقة أو جهات رسمية، ما يعزز الشكوك بأنها جزء من حملة تضليل إعلامي واسعة تستهدف أمن المواطن و تؤثر في عودة المواطنين إلى ديارهم و التي بدأت بمعدلات كبيرة خلال الفترة الماضية، حيث أوردت ـ شبكة_الخبر ـ عن منظمة الهجرة الدولية، عن عودة 396 ألف أسرة إلى ديارهم في الجزيرة وسنار والخرطوم، خلال 4 أشهر. “في الفترة بين 18 ديسمبر المنصرم و 4 مارس الحالي، عاد قرابة 396,738 فردًا من النزوح الداخلي إلى مواقعهم الأصلية”.
هذه العودة الطوعية للنازحين بخلاف الحركة الداخلية تكشف عن مؤشرات ايجابية لذلك يجب مواجهة هذه الحرب النفسية المثيرة للذعر. بعمل مدروس بجانب ضرورة اتخاذ خطوات لمواجهتها، بدءً بعدم إعادة نشر هذه الرسائل التحذيرية دون التحقق من صحتها من مصادر رسمية، وتعزيز الخطاب الإيجابي برسائل توعوية تركز على أهمية التعاون المجتمعي بدلًا من الاستسلام للخوف، إضافة إلى الإبلاغ عن الحسابات المشبوهة التي تنشر مثل هذه المحتويات باعتبارها جزءً من حملة دعائية موجهة تهدف إلى زعزعة الاستقرار.
على المستوى الرسمي، شهدت ولاية الخرطوم أمس اجتماعًا مهمًا للجنة أمن الولاية برئاسة والي الخرطوم أحمد عثمان حمزة، و بمشاركة الفريق أول ركن ياسر العطا مساعد القائد العام للقوات المسلحة وعضو مجلس السيادة، إضافة إلى قيادات أمنية و عسكرية رفيعة المستوى. خرج الاجتماع بعدة قرارات استراتيجية تهدف إلى استعادة الأمن و إعادة ترتيب الأوضاع في المناطق المحررة، حيث تم التأكيد على عودة الأجهزة النظامية إلى مواقعها الأصلية لممارسة مهامها الاعتيادية في كل المحليات، مع تنفيذ خطة أمنية عاجلة للقضاء على الظواهر السالبة و التعامل الحاسم مع المتفلتين، و تأمين أرواح وممتلكات المواطنين، وتسهيل العودة التدريجية للنازحين إلى مناطقهم.
كما تم إلزام لجنة أمن الولاية بتنفيذ قرارات الانتشار الأمني خلال 48 ساعة لضمان عودة الحياة الطبيعية سريعًا.
بينما تحاول مليشيا الدعم السريع تعويض خسائرها الميدانية عبر حرب المعلومات و الدعاية السوداء، فإن التحركات الأمنية المدروسة و الوعي المجتمعي يشكلان خط الدفاع الأول في هذه المرحلة. التي يصبح فيها الرهان ليس علي الحلول الامنية فقط، بل على قدرة المواطنين و الإعلام الوطني في كشف هذه الحملات التضليلية، وتعزيز ثقة المجتمع في مؤسساته الأمنية و عدم السماح لمحاولات الفوضى النفسية بتحقيق أهدافها.
كما يظل وجه الحقيقة، في أهمية قيام حكومة الولاية بمواجهة اي تحديات محتملة في ظل الاوضاع الأمنية الهشة التي تعيشها بعض المناطق، خصوصًا خلال الفترات الليلية لذلك يجب تكثيف دوريات الشرطة و زيادة الحواجز الامنية علي الطرقات كذلك يجب عودة وحدات بسط الامن الشامل للأحياء السكنية لينعم المواطن بالأمن و السلام.
دمتم بخير و عافية.
الأربعاء 12 مارس 2025 م Shglawi55@gmail.com