
تعد جلسة مجلس الأمن الدولي المقررة اليوم 19 ديسمبر 2024، و التي يرأسها وزير الخارجية الأمريكي “أنتوني بلينكن” فرصة حاسمة لصياغة مواقف دولية جديدة بشأن الأزمة في السودان بجانب الوضع الإنساني. و يؤكد هذا الاجتماع على أهمية الموقف السياسي الأمريكي باعتباره يحمل نسبة كبيرة من الحل عبر تأثيره على الداعمين و الفاعلين في هذه الحرب.
يبدو أن الأمريكيين عازمون هذه المرة على التقدم بخطوة تجاه إدانة الانتهاكات الوحشية التي ترتكبها مليشيا الدعم السريع بصورة مباشرة أمام المجتمع الدولي، لذلك تأتي أهمية جلسة اليوم المنعقدة الساعة الرابعة مساءً بتوقيت السودان حسب إعلام محلي و التي تقودها الولايات المتحدة بحكم توليها رئاسة المجلس هذا الشهر حيث من المقرر أن يناقش مجلس الأمن الأوضاع الإنسانية في السودان التداعيات المحتملة.
هذا الاجتماع يأتي في أعقاب فشل المجلس في نوفمبر الماضي في تبني مشروع قرار وُصف بالمتحيز يهدف إلى حماية المدنيين و تسهيل وصول المساعدات الإنسانية حيث واجه الفيتو الروسي. بالإضافة إلى ذلك ستناقش الجلسة تقرير الأمين العام للأمم المتحدة (أنطونيو غوتيريش) بجانب تقرير لوكيله للشؤون الإنسانية (توماس فليتشر) بشأن الأوضاع في السودان. يعكس ذلك استمرار القلق الدولي حيال تأثير الحرب على المدنيين ، و هو أمر جيد لكنه يتطلب إجراءات صارمة سبق أن طالب بها السودان خلال جلسات سابقة مثل وقف إمداد المليشيات بالسلاح و إدانة الأطراف الإقليمية المتورطة كدولة الإمارات العربية المتحدة و تشاد.
في الوقت ذاته سبق أن عقدت لجنة العقوبات في مجلس الأمن في ديسمبر اجتماعاً لمناقشة تنفيذ العقوبات المفروضة على السودان بموجب قرار مجلس الأمن رقم (1591) الذي يتضمن حظر توريد الأسلحة إلى دارفور، و حظر السفر و تجميد الأصول للأشخاص المتورطين في جرائم ارتُكبت بالإقليم. هذه العقوبات التي جُدّدت في أغسطس الماضي تُعد من الإجراءات المستمرة التي تحاول الضغط على الحكومة و مليشيا الدعم السريع.
الواضح أن الولايات المتحدة الأمريكية تدخل هذا الاجتماع بفرصة أخيرة قبل انتهاء ولاية الرئيس “جو بايدن” لإحداث اختراقٍ ما يمهد الطريق للتوصل إلى حلول ناجعة تحقق السلام و استعادة الأمن للسودانيين. لذلك، و في خطوة استباقية لافتة أرسل رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي السيناتور (بن كاردين) رسالة إلى وزير الخارجية الأمريكي (أنتوني بلينكن) بحسب موقع “Brown Land” طالب فيها باتخاذ إجراءات جريئة في الأزمة في السودان.
أكد (كاردين) في رسالته ضرورة فرض حظر شامل على توريد الأسلحة إلى دارفور مع الإشارة إلى الدور الذي تلعبه الولايات المتحدة في تمويل بعض هذه الأسلحة. هذا التحول في الموقف الأمريكي الذي يعبر عنه السيناتور (كاردين) يعكس شعوراً متزايداً بالمسؤولية تجاه الأوضاع في السودان، كما أكد أن استمرار تدفق الأسلحة إلى قوات الدعم السريع يشكل انتهاكاً صارخاً لحظر الأسلحة المفروض منذ أكثر من عشرين عاماً. و شدد (كاردين) على ضرورة محاسبة الدول التي تساهم في دعم هذا التدفق في خطوة تعكس تطوراً مهماً في السياسة الأمريكية تجاه الحرب في السودان.
بحسب مراقبين فإن تصريحات (كاردين) تكتسب أهمية خاصة في ظل التغيرات السياسية الكبرى في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث يُتوقع أن تشهد إدارة الرئيس الحالي جو بايدن تحولاً مع اقتراب نهاية ولايتها، ويساعد هذا التحول في تمهيد الطريق لدخول “دونالد ترامب” إلى البيت الأبيض بحمولات أقل من التحديات و هو الذي أعلن مراراً عن نيته إنهاء الحروب في الخارج. من هذا المنطلق يبدو أن الموقف الأمريكي تجاه الأزمة السودانية قد يشهد تحولاً جذرياً مع تولي ترامب منصب الرئيس خاصة في حال تبنّى مجلس الأمن في هذه الجلسة موقفاً أكثر صرامة تجاه الأطراف الإقليمية المتورطة في دعم المليشيا.
كذلك يجب ألا ننسى تصويت مجلس النواب الأمريكي في نوفمبر (2024) لصالح قرار تصنيف انتهاكات مليشيا الدعم السريع في دارفور على أنها “إبادة جماعية”. هذا التحول النوعي في الموقف الأمريكي، الذي تم التصويت عليه بالإجماع، يعكس توافقاً واسعاً في الكونغرس الأمريكي على أهمية اتخاذ إجراءات حاسمة في مواجهة انتهاكات حقوق الإنسان في السودان التي تمارسها المليشيا. و يرى مراقبون أن هذا التحول قد يكون له تأثيراً كبيراً في حال دعم القرار من مجلس الشيوخ مما يفتح الباب أمام فرض عقوبات أشد على الأطراف الإقليمية الضالعة في حرب السودان.
عليه، و من وجه الحقيقة، يمكننا القول أننا ربما نشهد تطورات سياسية لافتة تقودها الولايات المتحدة. فإن مواقف السيناتور (بن كاردين) تعكس تغيّراً ملحوظاً في السياسة الأمريكية تجاه السودان. التحول في موقف الكونغرس الأمريكي، سواء عبر التصويت على تصنيف قوات الدعم السريع كمجرمي حرب، أو عبر الضغط على الإدارة الأمريكية لتطبيق حظر الأسلحة، يشير إلى أن واشنطن قد تقترب من اتخاذ خطوات أكثر قوة لصالح السلام في السودان بجانب وقف انتهاكات المليشيا. و في ظل التوقعات بتغيير القيادة في البيت الأبيض، ستظل الأسابيع و الأشهر المقبلة حاسمة في تحديد مسار الحرب السودانية و مستقبل التدخلات الإقليمية و الدولية.
و لا ننسى أن هناك مجهودات تُبذل أثناء كتابة هذا المقال في موريتانيا برئاسة الرئيس الموريتاني (محمد ولد الشيخ الغزواني) رئيس الاتحاد الإفريقي لهذه الدورة، و بمشاركة مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة للسودان (رمطان العمامرة) لتوحيد المبادرات الداعية لإحلال السلام في السودان. سوف نفصل في ذلك لاحقاً بإذن الله تعالى.
دُمتم بخير و عافية.
الخميس 19 ديسمبر 2024م Shglawi55@gmail.com