مقالات الرأي

وجه الحقيقة … وطن بلا جامعات أو هكذا كانت الخطة ؟! .. بقلم/ إبراهيم شقلاوي

في ظل الحرب التي اجتاحت السودان و تركت آثارها العميقة على كافة القطاعات، نجحت وزارة التربية و التعليم العام في مواجهة تحديات عظيمة بتنظيم امتحانات الشهادة السودانية لعام 2023 و ضمان انعقاد امتحانات 2024 في موعدها مارس القادم، عليه فإن وزارة التعليم العالي و البحث العلمي تواجه مسؤوليات أكبر لإعادة تأهيل النظام الجامعي و استيعاب أجيال جديدة من الطلاب حيث يقف التعليم العالي في مواجهة اختبارات قاسية و ظروف أكثر تعقيداً، لقد دُمّرت البنية التحتية في العديد من الجامعات، خاصة في العاصمة الخرطوم التي تُعد مركزاً للثقل الأكاديمي . و بالرغم من ذلك يظل التعليم العالي مفتاحاً رئيسياً لإعادة بناء العملية التعليمية و تأسيس مستقبل أفضل بالنظر إلى الكارثة الحالية.

خلال هذه الحرب لم تسلم الجامعات السودانية من الاعتداءات المباشرة، حيث تعمدت مليشيا الدعم السريع إتلاف المرافق التعليمية و الخدمية الواقعة ضمن نطاق سيطرتها وفقاً لإعلام محلي و إقليمي و لتقارير صادرة عن منظمة اليونسكو. هذه الاعتداءات تركت المؤسسات الأكاديمية في حالة من الانهيار شبه الكامل، كما يبدو كانت الخطة لدى المليشيا أن يكون الوطن بلا جامعات احتجاجا على دولة (56) حسب الأهداف الكذوب التي أعلنوها و التي جعلتهم يخسروا كل السودان بسبب هذا الادعاء الزائف ما دفع بعض الجامعات إلى اتخاذ قرارات استثنائية بنقل الدراسة إلى خارج البلاد.

و رغم أن هذه الخطوة ساعدت بعض الطلاب على مواصلة دراستهم، إلا أنها أضافت أعباء مالية كبيرة على الأسر السودانية التي تعاني بالفعل من ضغوط اقتصادية هائلة. تكاليف السفر و المعيشة في الخارج إلى جانب الرسوم الدراسية المرتفعة جعلت هذه التجربة حلاً مؤقتاً لا يمكن تعميمه أو الاعتماد عليه كاستراتيجية طويلة المدى. من المعلوم السودان يمتلك عدداً كبيراً من الجامعات المنتشرة في مختلف الولايات، إلا أن خارطة توزيع السكان تفرض ضغطاً كبيراً على ولاية الخرطوم باعتبارها المركز الأكاديمي الأكثر كثافة. الدمار الذي لحق بالعاصمة التي تضم النسبة الأكبر من المؤسسات التعليمية كشف عن الحاجة الماسة لإعادة التفكير في بنية التعليم العالي لتصبح أكثر مرونة و عدالة جغرافية.

بالمقابل هناك عدد من الدول واجهت ظروف مماثلة و تحديات مشابهة ونجحت في تحويلها إلى فرص. في لبنان الذي عانى من حرب أهلية دامت سنوات، اعتمدت الجامعات المحلية على تعزيز التعليم المفتوح و التعاون مع مؤسسات دولية لاستقطاب الدعم المالي و الفني. و في أفغانستان و رغم عقود من الصراع تم تطوير مبادرات للتعليم الإلكتروني تُركز على توفير تعليم مستدام في المناطق الريفية و النائية. كذلك في العراق الذي عانى من دمار واسع في بنيته التحتية بعد عام 2003 تمكن من إعادة بناء نظامه التعليمي عبر شراكات مع منظمات دولية و مؤسسات أكاديمية. أما رواندا التي خرجت من حرب أهلية في التسعينيات فقد ركزت على توسيع التعليم العالي في المناطق الريفية، مما ساعد في تقليل الاعتماد على العاصمة و تحقيق تنمية متوازنة.

بالنظر إلى واقع بلادنا يجب أن تتكامل الحلول قصيرة المدى مع رؤية استراتيجية طويلة المدى. التعليم الإلكتروني الذي أثبت نجاحاً نسبياً خلال الفترة الماضية، يمكن أن يكون خياراً مستداماً لاستمرار العملية التعليمية. و في الوقت ذاته يُمكن أن تكون المراكز التعليمية المؤقتة في الولايات الآمنة وسيلة لتخفيف الضغط على العاصمة واستيعاب الطلاب المتضررين. على صعيد آخر يُعد تعزيز التعاون الدولي أمراً لا غنى عنه. السودان بحاجة إلى توسيع شراكاته مع الدول الشقيقة و الصديقة مثل مصر و تركيا و ماليزيا، و الاستفادة من المبادرات القائمة كمنح جامعية. إلى جانب توفير فرص تدريب و تطوير لأستاذة الجامعات.

أما على المستوى المحلي فإن تحقيق التوازن في توزيع التعليم العالي يجب أن يكون أولوية. الخرطوم و رغم كثافتها السكانية العالية ، لا يمكن أن تستمر كمحور رئيسي دون النظر إلى الولايات الأخرى التي تمتلك إمكانات جيدة لاستضافة الجامعات. كما أن ضبط الرسوم الدراسية و تخفيف العبء المالي عن الطلاب يتطلب سياسات واضحة و شفافة يجب أن يتم إعلانها قبل نتائج امتحانات الشهادة السودانية حتي لاتخصع لأمزجة ادارات التعليم الخاص.

عليه و بحسب ما نراه من وجه الحقيقة و رغم عمق الأزمة، فإن التعليم العالي في السودان في هذه المرحلة يتطلب أكثر من مجرد إعادة تأهيل للبنية التحتية، بل يحتاج إلى رؤية استراتيجية شاملة تُوازن بين الطموح و الواقع مع أهمية مراعاة الظروف الاقتصادية التي تعيشها بلادنا و التي انعكست بلا شك علي حال الأسرة السودانية، لذلك لابد من إيجاد مقاربة بين احتياجات تأهيل المرافق التعليمية و الظروف الاقتصادية و الاجتماعية للأسرة السودانية، النجاح في تحقيق ذلك قد يكون بداية جديدة للسودان تُعيد بناء مؤسساته الأكاديمية كجزء أساسي من نهضته الوطنية عقب اليوم التالي للحرب.

دمتم بخير و عافية.
الثلاثاء، 7 يناير 2025م. Shglawi55@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى