الفصل السادس ، خطوة باتجاه السيادة أم قفزة نحو الاستعمار ؟

الفصل السادس ، خطوة باتجاه السيادة ام قفزة نحو الاستعمار ؟

بقلم :
عبدالباسط سبدرات

حاولت خلال الثلاثة أسابيع الماضية أن أعكف على دراسة النظام الاساسي للأمم المتحدة “ميثاق الامم المتحدة”، و عدد من الوثائق و محاضر اجتماعات و تقارير خاصة بمجلس الامن لأتمكن من التعرف بصورة واضحة و شفافة على خبايا و أسرار الفصل السادس، و هل هي خطوة باتجاه نيل السيادة الوطنية و بناء مؤسسات الدولة أم هي قفزة نحو الاستعمار و الاستعباد و الوصاية الدولية، و حقيقة هنا و قبل أن أزلف إلى تفاصيل هذا البحث المتواضع لا بد لي من أن اشير الى أن هذا البحث ما هو الا جهد بشري قابل للنقد و النقض و التقصي و المناقشة، و لكنه في ظني قد يسهم في رفع التغبيش الضار الذي يتم الترويج له هنا و هناك عن هذا الفصل بغير علم أو تحقق.

أولاً: ما هو ميثاق الأمم المتحدة ؟
ميثاق الأمم المتحدة هو بمثابة النظام الاساسي للأمم المتحدة و الذي تم اعتماده بعد الحرب العالمية الثانية و الذي يحتوي على (19) فصلاً بالإضافة للديباجة التعريفية.

ثانياً: ما هو الفصل السادس؟
الفصل السادس هو بند حل المنازعات سلمياً بين الدول أو بين مكونات الدولة الواحدة، يحتوي على ستة مواد من المادة (33) إلى المادة (38) تتعلق بالحالات التي تتيح للأمم المتحدة النظر في النزاع كمرحلة أولى ثم إرسال بعثات كمرحلة ثانية.
ثم اجراء تسويات كمرحلة ثالثة و إذا فشلت كل هذه المراحل نصل الى المرحلة الرابعة؛ و هي تقديم توصيات لحل النزاع قبل أن نصل الى المرحلة الخامسة و التي تدرج النزاع الى محكمة العدل الدولية، كما يوجد مادتان خارج هذا الفصل و هي المادة (11) و التي تتيح للجمعية العمومية للامم المتحدة بإحالة ملفات تحت الفصل السادس، و هنالك المادة (99) و التي تعطي الحق للأمين العام للأمم المتحدة أن يحيل الملفات للنظر تحت الفصل السادس حال كان هنالك تهديد للسلم و الأمن.
و هنا ينبغي أن أشير إلى ورقة مهمة جداً أعدها الأمين العام للامم المتحدة في العام (1992) تحت عنوان “ورقة للسلام، الدبلوماسية الوقائية و صنع السلام و حفظ السلام” و قام بتقديمها لمجلس الأمن، و تحدث فيها بوضوح عن أن تدخلات مجلس الأمن في الدول أخذت طابعاً عسكرياً في غالبها، و أن تلك الدول باتت تنظر لبعثات الامم المتحدة على أنها مُهدِّدة للسيادة الوطنية لذلك يتوجب على مجلس الأمن تفعيل الفصل السادس عوضا غن الفصل السابع، لأنه يدعم إيجاد حلول سلمية للنزاعات بالإضافة الى طبيعة البعثات التي يتم إرسالُها “ذات الطابع المدني من الخبراء” الى تلك الدول بغرض تثبيت السلام و مساعدة تلك الدول في حل النزاعات و بناء و حفظ السلام داخل أراضيها. و قد نالت تلك الورقة موافقة و إجماع مجلس الأمن في حينها و أثرت كثيراً في مستقبل البعثات التي قام مجلس الأمن بإرسالها لحل النزاعات.

ثالثا : ما هو الفصل السابع ؟
الفصل السابع هو الذي يختص بوقوع أعمال تهدد السلم و الأمن، أو وقوع عدوان بين الدول، أو داخل الدولة الواحدة و يحتوي على (13) فصلاً ابتداء من الفصل ال(39) و حتى الفصل ال(51).
الفصل السابع يتيح لمجلس الأمن اتخاذ ما يلي:
عقوبات اقتصادية و تجارية و دبلوماسية.
تشكيل قوة مسلحة بحرية و برية و جوية.
الإحالة الى المحكمة الجنائية الدولية حال أدى النزاع الى حدوث جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية أوانتهاكات صارخة لحقوق الانسان.

رابعاً: ما علاقة السودان بالأمم المتحدة و لماذا و متى تم تطبيق الفصل السابع ؟
السودان أصبح عضواً بالامم المتحدة بتاريخ (12-11-1956.)
في العام (2003) تفجَّر النزاع المسلح في دارفور، و طوال العام (2003) و (2004) كانت منظمات حقوق الانسان ترسل تقارير خطيرة تشير الى اطلاعهم بحدوث تجاوزات غير مسبوقة من الحكومة السودانية تشمل جرائم ضد الإنسانية و استخدام أسلحة محرمة دولياً، و قدَّروا أن عدد القتلى و النازحين تجاوز (100) الف انسان، و على الفور قامت الحكومة السودانية بنفي تلك التقارير، و هنا قام الأمين العام للأمم المتحدة وفق المادة (99) من ميثاق الأمم المتحدة بإحالة ملف السودان إلى مجلس الأمن، و في العام (2004) أصدر مجلس الأمن القرار بالرقم (1547) الذي قرر تحت الفصل السادس انشاء بعثة دعم و تثبيت للسلام في دارفور و طلب من حكومة السودان التعاون مع البعثة بما يلزم، ثم تلى ذلك بأشهر قليلة القرار رقم (1556) و الذي أكد رصد فريق الأمم المتحدة لما يعرف ب(كتائب الجنجويد) و التي تقوم بارتكاب انتهاكات صارخة تحت رعاية الحكومة السودانية، و طالب القرار أن يتم حظر الأسلحة من دولة السودان و طالب أن يتم التعامل مع قضية دارفور تحت الفصل السابع، على خلفية هذا القرار قام الأمين العام للامم المتحدة بانشاء بعثة تقصّي حقائق باشرت عملها في دارفور حتى مطلع العام (2005) و تكونت تلك البعثة من “أنطونيو كاسييس من إيطاليا، محمد فايق من مصر، هينا جيلاني من باكستان، دوميسا نيسبيزا من جنوب افريقيا و تيريز إسكوت من غانا”
في الأول من فبراير عام (2005) قدّمت هذه اللجنة المستقلة تقريرها النهائي و الذي خلص إلى حقيقة إرتكاب حكومة السودان و المليشيات التابعة لها انتهاكات جسيمة و خطيرة ضد حقوق الإنسان و قدّروا أن عدد من قُتلوا في دارفور قد بلغ عشرات الآلاف، و أن عدد من هُجّروا بلغ مليون و نصف المليون إنسان بسبب النزاع المسلح في الإقليم، و قاموا باتهام عدة اشخاص صراحة بالوقوف خلف هذه الانتهاكات و أبرزهم ” كوشيب و الذي تم وصفه بأنه مؤسس قوات الجنجويد، أحمد هارون، عبد الرحيم محمد حسين و عمر البشير”، و تم إعطاء حكومة السودان ثلاثة أيام للاطلاع على التقرير لتقديم الدفوعات المناسبة و لكن حكومة السودان وصفت التقرير بالكاذب و رفضت التعاون مع مجلس الأمن، لذلك و بتوصية من الأمين العام للأمم المتحدة تم رسمياً وضع السودان تحت الفصل السابع إثر القرار الأكثر كارثية في تاريخ السودان و هو القرار (1591).

و هنا يجب ايضاح نقطة مهمة ، حيث راجت بصورة واضحة اكذوبتين .. الاولى ان السودان عندما كان تحت الفصل السابع كانت ولاية الأمم المتحدة على دارفور فقط و لكن الآن بعد المطالبة بالفصل السادس ستكون ولايتها على السودان بأكمله.
لك عزيزي القارئ ان تعلم بأن السودان ككل و بموجب القرار (1591) تعرض لثلاثة عقوبات و هي:
حظر التسليح ” التضييق العسكري”.
حظر المسؤولين من السفر “التضييق الدوبلماسي”.
حظر و تجميد كافة أصول السودان و وقف كافة أشكال التعاون المالي و التجاري مع دولة السودان “التضييق الاقتصادي”.
فكيف يمكن القول بأن الفصل السابع يعني فقط دارفور و لا يعني السودان؟ و إن كان المقصود هو الرقعة الجغرافية التي تواجدت بها بعثة الامم المتحدة تحت الفصل السابع فينبغي أن نعلم أن الأمم المتحدة أرسلت ثاني أكبر بعثة في تاريخها منذ انشائها بقوام يبلغ (25) ألف جندي إلى دولة السودان، و قد تواجدوا في منطقتين و هما دارفور و منطقة أبيي، أما البعثة الدولية المزمع قدومها تحت الفصل السادس فهي بعثة خبراء قد لا يتجاوز عددهم (2500) إلى (5000) شخص حسب التصور الأوَّلِي لحكومة السودان و هو ما يعتبر تقليص كبير جداً في أعداد البعثة، بالإضافة إلى أن هذه البعثة ليست ذات طبيعة عسكرية لتنتشر في كل السودان كما يروج البعض، و من حيث الأساس ينبغي لنا أن نستذكر أن أكثر ما أضعف السودان عسكرياً و اقتصادياً ودبلوماسياً يرجع مَردُّه الى وضعه تحت الفصل السابع.
أما الأكذوبة الثانية هي أن البعثة الدولية للسودان تحت الفصل السابع كانت ستنتهي مهامها خلال هذا العام لكن حمدوك أراد أن يمدد لها تحت غطاء الفصل السادس،
و لك ان تعلم عزيزي القارئ أن هذه البعثة المكونة من (25) ألف من القوات الدولية تم انشاؤها بالقرار (1769) عام (2007)، و حُددت فترتها (13) شهر و منذ ذلك الحين تم التجديد لها أكثر من عشر مرات تحت القرارات (1828)، و القرار (1881)، و القرار (1935)، و القرار (2003)، و القرار (2063)، و القرار (2173)، و القرار (2228) و القرار (2296)، و كلما كاد زمن هذه البعثة ينتهي فإن مجلس الأمن يقوم بتمديد أمد بقاء هذه القوات، و بالتأكيد فإن هذه القوات لم تكن لترحل مع نهاية فترتها الحالية لأن السبب من إرسالها ما زال كما هو حتى إن تحسن الوضع في دارفور قليلاً، لذلك كان لا بد من إجراء مناورة الفصل السادس لانهاء تكليف هذه القوات أو تقليص حجمها و دورها تمهيداً للوصول لاتفاق سلام دائم في منطقة دارفور.
خامساً: ما معنى طلب السودان لوضعه تحت الفصل السادس و هل له علاقة بالوصاية الدولية على السودان؟
حقيقة قرأت الكثير من الاحاديث غير الدقيقة فيما يتعلق بطلب دولة السودان وضعه تحت الفصل السادس، و بعد الاطلاع على مئات الوثائق بخصوص هذا الفصل يجب توضيح ما يلي:
الفصل السادس ليس له أي بعثات ذات طبيعة عسكرية و تنحصر بعثاته في ثلاثة أنواع:
بعثات حل النزاعات سلمياً وفقا للمادة (33) مثل ما حدث مع كمبوديا (1990).
بعثات تقصي الحقائق وفقا للمادة (34) مثل ما حدث مع يوغوسلافيا عام (1992).
بعثات التسوية السياسية و المعنية بإبرام اتفاقات السلام بموجب المادة (36) مثل ما حدث مع أنغولا عام (1991).

لك أن تعلم عزيزي القارئ بأن الدول التي تعاملت تحت الفصل السادس لميثاق الأمم المتحدة و أرسلت لها بعثات قد بلغ عددها عشرات الدول أذكرأامثلة عليها:

بعثة استعادة الثقة في كرواتيا (1993).
بعثة الانتشار الوقائي في مقدونيا (1993).
بعثة الدعم و المساندة في رواندا (1993).
بعثة نزع السلاح و وقف الحرب في سيراليون (1996).
فريق الأمم المتحدة للانتقال السلمي و الذي ساعد ناميبيا في بناء مؤسسات الدولة بعد الاستقلال عن جنوب إفريقيا (1989).
بعثة دعم المصالحة الوطنية في بوروندي (2004).
بعثة دعم ترتيبات السلام في ليبيريا (2003) و التي شارك بها عدد من الخبراء السودانيين كان من بينهم عبد الله حمدوك.
و المتفحص لتجارب هذه الدول بعد إرسال هذه البعثات يلحظ الآتي:
لم تتحول أي بعثة من هذه البعثات من الفصل السادس الى الفصل السابع.
نجحت هذه البعثات في إجراء تسويات سلمية و مصالحات وطنية و أسهمت بصورة واضحة في تعزيز استقلالية تلك الدول.
تمكنت أغلب هذه الدول من بناء قوي و قويم لمؤسسات الدولة و تحقيق نمو اقتصادي كبير.
إألب تلك البعثات لم تتجاوز فترتها 3 سنوات.

ما سبق من استعراض لبعثات الأمم المتحدة تحت الفصل السادس لتلك الدولة يجعلنا ندخل مباشرة الى أكذوبة أخرى راجت بصورة كبيرة و تتحدث عن أن دخول البعثة الأممية المرتقبة الى السودان يعني وضع السودان تحت الوصاية الدولية .
و لك عزيزي القارى أن تعلم أن مصطلح “الوصاية الدولية” هو مصطلح قانوني له مدلولاته في ميثاق الأمم المتحدة، و قد خصص له فصل كامل و هو الفصل الثاني عشر، و لك أن تعلم أيضاً أن نظام الوصاية الدولية هو نظام وُضع في العام (1945) لكي تتحكم الدول الرابحة في الحرب العالمية الثانية بالدول الخاسرة في الحرب، و حدد ماهيّة الدول التي يمارس عليها نظام الوصاية الدولية حسب الفصل الثاني عشر من ميثاق الامم المتحدة و هي الدول أو الاقاليم الواقعة تحت الانتداب أو تلك التي تعتبر من مناطق الأعداء في الحرب العالمية الثانية.
و مع تطور النظام العالمي و نيل معظم الدول لاستقلاليتها وضعت الأمم المتحدة حدا للوصاية الدولية بإدراجها المادة (78) في الفصل الثاني عشر و الذي ينص على أنه لا يمكن ادراج أي دولة أو إقليم تحت الوصاية الدولية بعد أن يصبح عضواً بالامم المتحدة. و كما نعلم فإن السودان دولة عضو بالأمم المتحدة منذ العام (1956) ، بل إن آخر منطقة في العالم كانت تحت الوصاية الدولية كانت احدى الاقاليم و التي كانت تدار بواسطة الولايات المتحدة ثم تحررت منها في العام (1991) أي قبل نحو ثلاثين عاماً، لذلك فإن عبارة أن الفصل السادس يمهد الطريق نحو الوصاية الدولية هي كذبة بالغة في الغباء و السذاجة و ليس لها أي وجه صحة، بل على النقيض تماماً إدرج في الفصل السادس ما يؤكد أن التعامل مع الدول تحت هذا الفصل ينبغي أن يراعي سيادة تلك الدول.

سادساً: ما هي طبيعة و أدوار البعثة الاممية تحت الفصل السادس و المتوقع قدومها للسودان و ما هي فائدتها على السودان؟

هذه البعثة و حسب طلب الحكومة السودانية هي بعثة دعم و مساندة سياسية غير مقاتلة و غير عسكرية، تهدف لدعم مساعي الحكومة السودانية في التوصل لاتفاق سلام و ما يترتب على ذلك الاتفاق من استحقاقات، كما لها دور مساند في بناء مؤسسات الدولة ما بعد مرحلة السلام وصولاً إلى وضع دستور دائم للسودان و اجراء انتخابات مع نهاية الفترة الانتقالية.
و أُنوّه هنا أن هذه البعثة ليس من ضمن أدوارها أبداً وضع الدستور السوداني، و لكن ما يختص بمهامها هو مراقبة الاستفتاء الخاص بالدستور و المشاركة في التوقيع الختامي على اتفاقية التوصل لدستور دائم بالسودان.
كما ليس من مهامها التدخل في القرارات السيادية للسودان.

أما الفوائد التي سيجنيها السودان من هذه البعث :
وقف حظر الأسلحة.
وقف تجميد أصول السودان.
وقف الحصار التجاري و الاقتصادي على السودان.
تحقيق التوازن في علاقات السودان الخارجية بوقف التدخل الصارخ من محوري الأزمة الخليجية في السودان.
الانتهاء من متوالية الحكم المدني الضعيف المتبوع بانقلابات عسكرية.

ختاماً فإنني أود أن أقول بأنه لا شك أن الحس الوطني لدى كل إنسان سوداني ينبغي ألا يكون سعيداً بأي تدخل لأي جهة في الشأن الداخلي السوداني، و بالطبع فإن الوضع الأمثل هو أن نحل مشاكلنا بأنفسنا و لكننا كذلك يجب علينا أن نكون متصالحين مع أنفسنا لنعترف بأننا و طوال الفترة الماضية منذ استقلال السودان و حتى الآن لم نستطع ان نصل لتجربة منضبطة و راشدة تمكن السودان من تحقيق السلام و الاستفادة من موارده الطبيعية و امكانياته الضخمة، و ليس ببعيد عنا ما حدث في (2019) من تجربة الاتفاق السياسي على الوثيقة الدستورية و الذي حاول السودانيون في البدء أن ينجزوه لوحدهم فأنتهى الامر بمجزرة كارثية و لم ينجحوا في انجازه الا بعد تدخل الوساطة الخارجية ممثلة في اثيوبيا و الاتحاد الأفريقي، لذا فإنه يعني القول بكل ثقة أن هذه الخطوة من حكومة السودان هي خطوة مسؤولة و جريئة و تاريخية و موفقة جداً تسعى ليس فقط لبناء مؤسسات الدولة و ضمان انتقال سلمي للسلطة بل أنها تسعى كذلك لتصحيح مسار عدائي امتد طوال الفترة الماضية بين دولة السودان و بين مؤسسات المجتمع الدولي، فهذه الخطوة بكل تأكيد هي خطوة مهمة في الطريق نحو السيادة الوطنية و ليست بأي حال من الاحوال قفزة باتجاه الاستعمار.
₪₪₪₪₪₪₪₪₪₪₪₪₪

Exit mobile version