استخدم وفد الاتحاد الروسي بمجلس الأمن صباح الإثنين بنيويورك حق النقض فأحبط مشروع قرار قدمته بريطانيا و سيراليون حول موضوع “حماية المدنيين” بالسودان، و كان القرار الذي نال موافقة (14) وفداً قد شمل (15) فقرة عاملة و (8) فقرات تمهيدية، و جاء تركيزه على الترتيبات المتصلة بحماية المدنيين تحديداً خلافاً للقرارات السابقة للمجلس حول السودان التي شملت عدة موضوعات متنوعة (amorphous).
كما أعاد (الفيتو) لأول مرة منذ أمد بعيد إلى الأذهان (الفيتو) المزدوج الذي استخدمته روسا و الصين ضد مشروع قرار خاص بزمبابوي عام (2008).
إذا كانت بريطانيا هي حامل القلم كما هو معلوم و رئيس مجلس الأمن لشهر نوفمبر فإن استصحاب سيراليون جاء لإظهار و إعطاء انطباع بتوافق أفريقي حول المشروع بهدف إحراج الدول التي قد يكون رأيها سالباً حوله و تحديداً روسيا و الصين فتمتنع عن معارضته حتى لا تُوصم بالوقوف ضد الإجماع الأفريقي.
من باب التذكير نشير إلى أن بريطانيا كانت قد تدخلّت عسكرياً في الحرب الأهلية في سيراليون في مايو (2000) عبر الكتيبة البريطانية التي كانت هناك لأغراض الإجلاء، و تمكنّت من إلحاق الهزيمة “بالجركة الثورية المتحدة” المتمردة بقيادة (فودي سانكوح) على مشارف الغاصمة (فريتاون) و التي كانت مدعومة مقابل الماس السيراليوني من قبل (تشارلز تايلور) رئيس ليبيريا المجاورة.
و كانت بريطانيا قد استخدمت أيضاً مواقع بسيراليون في عملياتها العسكرية ضد الأرجنتين إباح حرب(الفوكلاند)، و للتذكير أيضاً ترأست سيراليون في أواخر السبعينات القرن الماضي على عهد رئيسها (سياكا إستيفنز) لجنة الوساطة السودانية الإثيوبية بعد توتر علاقات البلدين إبان حكم الرئيسن (جعفر نميري) و (منقستو هايلي مريام).
بدا وكأن القرار قد شرع من جديد في رسم بناء معماري لمسألة حماية المدنيين في السودان في أعقاب تحشيد و ترويج كبير حفلت به الفترة الماضية، و تصريحات من عدة جهات دولية و على رأسها المبعوث الأمريكي (بيريللو) مبشرة بتدخل عسكري و خطة (ب)، وتم إنشاء تحالف في اجتماع جينيف “لإنقاذ الأرواح”، كما دخلت في خط ذلك التحشيد لجنة تقصي الحقائق لملجاس حقوق الإنسان، و الاجتماعات رفيعة المستوى التي عُقدت على هامش دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك، إلا أن إقرار الأمين العام للأمم المتحدة (غوتيريش) أمام مجلس الأ/ن مؤخراً بعدم توفر الظروف المتصلة بنشر قوة عسكرية صب ماءً بارداً على ذلك التحشيد، لتنطلق بعده عدة مسارات هادئة من بينها زيارة رئيس وفد مجلس السلم و الأمن الأفريقي الذي أكد في بيانه الصادر عقب الزيارة ضرةرة الحوار مع السودان بما في ذلك الأفكار التي طرحها على الوفد السيد رئيس مجلس السادة الانتقالي الفرق أول عبد الفتاح البرهان، كما تقرر إعادة فتح مكتب الاتحاد الأفريقي بالسودان تسهيلاً للحوار المبتغىحيث يأمل السودان أن يتم فك تجميد عضويته بالاتحاد الأفريقي دون إبطاء، و جاء كذلك إلى السودان وزير خارجية جيبوتي مبعوثاً من الرئيس الجيبوتي رئيس الإيقاد برسالة حول عودة السودان لموقعه بالهيئة. وتم كذلك تأجيل اجتماع اللجنة الأفريقية الرئاسية برئاسة تارئيس اليوغندي (يوري موسيفيني).
و يبدو أن كافة هذه التطورات قد ألقت بظلاالها على نبرة و محتوى المشروع البريطاني و هو يعاود الكرة و يدخل المباراة المسماة “حماية المدنيين” بخطة جديدة قوامها إظهار احترام الخصم و تقليل اللعب على الأجسام؛ فيسمي مجلس السيادة الانتقالي باسمه، و يطلب من الأمين العام التشاور معه حول آليات التحقّق، و يسجل إدانته المباشرة في فقرات عاملة و تمهيديةللدعم السريع، و يطالب بلجم تدخلات الدول و توريدات السلاح لدارفور مهدداً بعقوبات و مسترجعاً منطوق قراري مجل سالأمن (1591) و (1556) لعام (2004) (وهو القرار الذي كان قد طالب وقتها حكومة السودان بنزع سلاح الجنجويد)، و يكرر القرار المطالبة وقف إطلاق النارو وقف التصعيد، و تعزيز المرور الآمن للمساعدات الإنسانية عبر الحدود و الخطوط، و يرحب في هذا الإطار بقرار السادي بشأن معبر (أدري). و سعى المشروع في سبيل هدفه لخلق ظروف و وقائع على الأرض توفر الشروط المُفضية لنشر قوات عسكرية عبر تقرير كلف الأمين العام بتقديمه إلى إعطاء الشعور بمرونة رغم التفخيخ الذي استوطن بعض الفقرات مثل الفقرة العاملة (15) و صياغتها التي تبيح و تشرعن للعمل خارج إطار مجلس الأمن بما يُعرف ب”تحالفات الراغبين” و لم يكن صعباً للوفد الروسي بحاسة الشم القوية التي عرف بها إزاء محاولات التدخل الخارجية عبر تلك الصياغات أن يقف عند لك، بل أفاض فتحدث عن روح الاستعمار الجديد و نوازع السيطرة عند بريطانيا، و إنكارها مسؤوليات و دور الحكزمة السودانية و ضرورة تجنب فرض مؤسسات العدالة.
لم تغادر ذاكرة المندوب الروسي غضب بلاده و تصريحات الرئيس (بوتين) في ذات اليوم المنددة بمنح الدول الغربية الضوء الأخضر لأوكرانيا لاستخدام الصواريخ بعيدة المدى ضد روسيا.
في الوقت الذي يتوقع أن تنشغل الأوساط الدبلوماسية بتبعات الفيتو الروسي و سيناريوهات اليوم التالي فإننا نأمل أن تستجمع بلادنا قواها و مواردها لحماية مدنييها.. فما حكّ جلد مواطنيها مثل ظفرها.