المتابع لمجريات الأحداث في السودان منذ اندلاع الحرب في منتصف أبريل من العام الماضي بعد فشل انقلاب مليشيا الدعم السريع و داعميها المحليين و الإقليميين يلاحظ بوضوح ضعف التعاطف الإعلامي و الإنساني الدولي و الإقليمي مع الأوضاع في السودان. هذا التعاطف لا يتناسب مع حجم المأساة التي يعيشها الشعب السوداني، حيث أسفرت الأزمة الإنسانية الناتجة عن الحرب المستمرة منذ أبريل الماضي عن خسائر فادحة في الأرواح و الممتلكات و تدمير البنية التحتية و الخدمية في البلاد.
لذلك، يصبح من الضروري التساؤل عن كيفية تعامل الناس و المجتمعات مع الأزمات الكبيرة و المستمرة. التعامل مع مأساة موت شخص واحد يختلف تماماً عن التعامل مع وفاة مليون شخص، حيث تُعدّ الأخيرة مجرد إحصائية. في هذا السياق، نُسبت مقولة للرئيس الروسي الراحل (جوزيف ستالين): “عندما يموت شخص، فإنها مأساة، لكن عندما يموت مليون شخص، فهي مجرد إحصائية” إذا أسقطنا هذه المقولة على واقع السودان، فقد تُثار تساؤلات عديدة حول التحولات التي تطرأ على مشاعر التعاطف مع القضايا الإنسانية.
بينما يتم التركيز على حياة و موت الفرد الواحد، تقلص هذه المشاعر بشكل ملحوظ حين يتعلق الأمر بأعداد كبيرة من الضحايا. تفقد القصص الفردية تفصيلاتها و تصبح الأرقام هي العنوان الرئيسي. في السودان، تُظهر الإحصائيات ارتفاعاً مذهلاً في أعداد الضحايا، و وفقاً لمنصة “الخبر الإلكترونية”، فقد تحدث تقرير منسوب لباحثين بريطانيين عن مقتل أكثر من (61) ألف شخص في ولاية الخرطوم منذ بداية الحرب. كما أعلنت “منظمة الهجرة الدولية” نزوح أكثر من (343) ألف شخص من ولاية الجزيرة وسط السودان. إلى جانب ذلك أشارت إحصائيات أخرى إلى نزوح نحو (10.7) ملايين شخص، منهم (9) ملايين داخل البلاد بينما فرّ (1.7) مليون إلى دول الجوار.
بالتأكيد هذه الإحصائيات في ازدياد مستمر طالما أن المليشيات ما زالت تطارد السكان، و لم تُصنَّف هذه الجماعة كمنظمات إرهابية مما يساعد في وقف الإمداد العسكري و اللوجستي من دول الجوار الإقليمي و الدول الضالعة في إشعال الحرب. مع ذلك يبقى التعاطف الدولي محدوداً مما يثير تساؤلات حول كيفية استجابة العالم لمثل هذه الأزمة!هل هناك معايير محددة تجعل ما يجري في السودان بعيداً أو قريباً من دائرة اهتمام المنظمات الإنسانية؟ خصوصاً في ظل النزوح الواسع الذي دفع أكثر من (343) ألف شخص في غرب الجزيرة لترك منازلهم خلال ثلاثة أسابيع فقط.
لا تزال الأصوات المنادية بالتحرك الدولي لأجل الاستجابة الإنسانية خافتة، رغم إعلان السودان عن فتح أحد عشر معبراً لدخول المساعدات بما في ذلك معبر “أدري” الحدودي مع دولة تشاد، و قد رحبت الأمم المتحدة بقرار السلطات السودانية بتمديد فتح معبر “أدري” لدخول المساعدات الإنسانية. و أكد “ستيفان دوجاريك” ، المتحدث باسم الأمم المتحدة أن الأمين العام “أنطونيو غوتيريش” أنه ناقش مع رئيس المجلس السيادي في السودان الفريق أول عبد الفتاح البرهان على هامش مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ في “باكو” أهمية تيسير توزيع المساعدات الإنسانية في السودان خاصة عبر معبر “أدري”.
في تغريدة على منصة “إكس”، أكد البرهان أن “حكومة السودان و الأمم المتحدة يعملان معاً بتعاون وثيق لتخفيف معاناة الشعب السوداني و تقديم المساعدات الإنسانية.” و شكر الأمين العام للأمم المتحدة على دعمه المستمر.
إذاً، يبقى الأمر مرهوناً بتفاعل المجتمع الدولي مع المأساة السودانية و مدى استعداده لإعادة النظر في المعايير الإنسانية بناءً على حقيقة المعاناة التي يعيشها الضحايا يومياً.
في ظل هذه الظروف، يصبح التعاطف و الإدراك الإنساني العنصرين الحاسمين اللذين يمكن أن يساهما في تحريك المشاعر الإنسانية و حث العالم على التحرك بشكل فعّال لمساندة السودان في هذه الفترة الحرجة حتى يتم استعادة الأمن و تحقيق السلام و الاستقرار في بلادنا، يجب أن يكون ذلك محل اهتمام المجتمع الدولي، كما يتعين على وسائل الإعلام تسليط الضوء على الوضع الإنساني الصعب الذي يعيشه الشعب السوداني. إن تجاهل هذه الأزمة الإنسانية الكبيرة لا يجدي نفعاً بل يجب على الجميع الوقوف بجانب الضحايا و تقديم الدعم اللازم لهم.
عليه، و وفقاً لما نراه من “وجه الحقيقة”، يجب علينا جميعًا – المؤسسات الإعلامية و الأفراد والمنظمات الإنسانية المحلية و الدولية و الإقليمية – إعادة النظر في طريقة التعاطي مع هذه الازمة الإنسانية الكبيرة في السودان. ينبغي تسليط الضوء على الجوانب الإنسانية لهذه الأزمة لتحريك المشاعر و التأثير في الناس للمساهمة في تخفيف معاناة المتضررين و تحقيق السلام و الاستقرار و استعادة الأمن للسودانيين.
دمتم بخير وعافية .
الإثنين 18 نوفمبر 2024م
Shglawi55@gmail.com