بقلم/ يوسف عبد المنان
هل بدأت المليشيا تحتضر في دارفور والجزيرة؟؟
متى ينهض متحرك الصياد لتأمين كردفان قبل الخريف؟
كتب يوسف عبد المنان
فُجعت البلاد صباح الخميس بسقوط الفولة عاصمة ولاية غرب كردفان في يد مليشيا الدعم السريع بعد أن فشلت في اسقاط الفرقة (22 ) بابنوسة بعزيمة الرجال وصمودها لجأت مليشيا الدعم السريع إلى البحث عن مكسب معنوي وانتصار زائف بضرب مؤخرة البعير الرخوة، والدخول في مغامرة غير محسوبة العواقب على المليشيا التي بدخولها الفولة ونهب السوق والوزارات الحكومية ومقر الولاية وتعطيل دولاب الدولة والقضاء والنيابة والشرطة -فإنها بذلك نقلت عاصمة الولاية من الفولة إلى النهود وهي الخطوة التي ظلت مكونات الولاية الشمالية تطالب بها منذ سنوات والآن تحققت بالخطوة التي أقدم عليها منسوبي جنوب الولاية من الدعم السريع دون قراءة الماآات السياسية لما أقدموا عليه من فعل عسكري.
واجتماعياً فإن احتلال الفولة بهذه الطريقة التي استغلت فيها المليشيا محدودية القوة العسكرية فيها واجتياحها في ساعات تترتب عليه انقسام مجتمعي عميق بين مكونات الولاية الاجتماعية؛ فالفولة في التقسيم الإداري القديم لإقليم كردفان هي عاصمة مجلس تنفيذي ريفي الجبال الغربية، وهي تعتبر حاضرة المسيرية (الفلايتة) وهم من أكبر مكونات المسيرية الثلاثة وهم: المسيرية الزّرق وحاضرتهم (لقاوة)، والمسيرية (العجايرة) وحاضرتهم المجلد و(الفلايتة) حاضرتهم الفولة وهي مدينة حديثة التكوين لايتعدي عمرها العمراني الثلاثون عاماً، وشهدت مابعد ألفين وخمسة تطوراً مهماً أي بعد توقيع اتفاقية السلام مع الحركة الشعبية، واستفادت الفولة كمدينة و(الفلايتة) كقبيلة من ظل السلطة، وكانت وقتها تحظى بنسبة اثنين في المائة من بترول غرب كردفان، واثنين في المائة من بترول (أبيي)، وشهدت المدينة نهضة عمرانية في البنيات التحتية، واستفاد المجتمع من ظل السلطة المدنية وحصل مكون الفولة على الوظائف في الدولة، وتعتبر نسبة التعليم وسط الفلايتة أفضل بكثير من بقية مكونات المسيرية الحمر والزُّرق، ولمّا تصاعد النزاع الحالي؛ أي نشوب حرب الخامس عشر من أبريل اختارت الإدارة الأهلية لقبيلة المسيرية بقيادة الناظر (مختار بابو نمر) ناظر عموم المسيرية، والأمير (عبد المنعم الشوين) أميرّ الفلاية والأمير(الصادق الحريكة عزالدين) الوقوف مع الدعم السريع وفاءاً ل(حميدتي) الذي بذل العطايا ومسح الدهن على الجلد الاشعث الأغبر، واختارت قيادات المسيرية من كل الأحزاب الصمت المتواطئ مع المليشا باستثناء السفير (الدرديري محمد أحمد) الذي أول من لفت نظر السودانيين للبعد الخارجي للنزاع الداخلي باضاءة ما عتم عن عرب الشتات ودورهم، وعبَّر الدرديري عن موقفه كمُثقف وكاتب نخبوي وسط طبقة المثقفين، ومن بعد جاء تعبير (أحمد صالح صلوحة) الذي هزَّ عرش (الجنجويد) في كردفان، وشجع الواقفين في رصيف الحياد لدعم الدولة، وجاءت مواقف وبطولات (حسن درمود) في بابنوسة و(حسين جودات) في نيالا لتُـعري خطاب ومزاعم (آل دقلو) بأن كل أبناء (العطاوة) يساندون مشروعهم العسكري وترتَّب على موقف (صلوحة) السياسي اصطفاف كبير من أبناء المسيرية من المجاهدين ومن المنشقين عن حركات التمرد المحلية إلى جانب القوات المسلحة، وجاءت خطوة بورتسودان وخروج قبيلة المسيرية من كنف التمرد لدعم الدولة كخطوة أثارت غضب الدعم السريع وجاءت خطوة احتلال الفولة -كما زعم بعض قادتهم- كردّ فعل على تواجُد وفد كبير من المسيرية في بورتسودان.
فهل تمثل الفولة قيمة عسكرية كبيرة للدعم السريع؟؟ بالطبع يسعى التمرد لبسط سيطرته على كل إقليم كردفان -باستثناء جبال النوبة- التي دافعت عن نفسها بشراسة كما دافعت الفرقة الخامسة مشاة بالأبيض، وللتمرد وجود في المجلد حيث انسحب الجيش منها حرصاً على عدم إراقة الدماء، كما انسحب من الفولة بعد ساعتين من القتال غير المتكافئ حيث دفعت قوات التمرد بعدد مائة عربة مسلحة بالمدافع والرشاشات وتنادى لإسقاط الفولة الدعم السريع من (أبوزبد) و(الدبيبات) و(المجلد) و (لقاوة) ،وحشد الحرامية والنهابين من مليشيات (أمبش) و(أم باغة) وعصابات قطاع الطرق من كل الإقليم للتكسُّب المادي ونهب المواطنين، وقد تحقق لهم نصف ما سَعَوا إليه، ولكن الخطوة ترتَّب عليها تحشيد مضاد من قِبَـل أهل الفولة وامتداداتهم في الأرياف والفرقان؛ حيث جرت عمليات فزع كبيرة اضطرت على إثرها المليشيا للانسحاب من الفولة وتركها (في السهلة) للنهابين والحرامية وما عُرف ب(الشفشافة)، وخسرت قوات الدعم السريع من الهجوم على الفولة ولم تكسب الا بعض سيارات وأموال بعض التجار ومدخرات المواطنين التي نُهبت بينما الولاية -اصلاً- تعيش فراغاً بغياب الوالي الذي منذ تعيينه ظل مقيماً في الأبيض وبورتسودان ولم يكلف نفسه مشقة الوصول إلى (الفولة الحميرا) ولا حتى (النهود) الآمنة والمطمئنة، بينما ظل نائب الوالي الشجاع (كرشوم) مقيماً في الفولة حتى سقطت وانسحب بشرف مع الجيش إلى النهود، بينما أصدر الوالي بيانا من إحدى فنادق مدينة الأبيض يصف فيه ماحدث ويعلق على الأحداث وعندما يصبح الوالي معلقاً على الأحداث بدلاً من صانعاً لها أولى به الإبعاد من المنصب الرفيع.
عملية الفولة يوم الخميس الماضي لها علاقة مباشرة بما يجري في جبهات القتال الأخرى في الجزيرة وشمال دارفور، حيث مُنِيت قوات المليشيا بخسائر كبيرة جداً في الفاشر حيث قتل قائد القوة التي تهاجم المدينة على يعقوب وقتل قائد التمرد في الصحراء، وتعرضت المليشا لخسائر فادحة في وادي (أمبار) و وادي )هور) وقاعدة (الزرق) العسكرية، واقترب متحرك قوات الكفاح المسلح والقوات المسلحة من دخول حواضن الجنجويد في شمال دارفور بعد أن كانت هذه الحواضن بعيدة عن الحرب، واضطُّرت المليشيا من تخفيف الضغط على الفاشر والدفاع عن مناطقها و جر أبناء دارفور المتمردين للأطراف وشدها وجذبها جعل كثير من المقاتلين في أم درمان والجزيرة وحول الفاشر يغادرون مناطق تواجدهم والعودة للدفاع عن عشائرهم، وبذلك نجح العقل المدبر للعملية العسكرية من فتح ثغرات في دفاعات المليشا التي خسرت أمس الأول عشرة سيارات مسلحة في محور المناقل، وخسرت مثلها في محور الجيلي الذي شهد حدثا هو الأول منذ نشوب الحرب؛ حيث استسلم عددٌ من المقاتلين بسياراتهم لقوات الجيش في شندي وتم أحاطة العملية بقدر من التعتيم الإعلامي الذي ربما كان مقصوداً لذاته بسبب ماهو قادم في مقبل الأيام، و في هذا المناخ جاءت أحداث الفول’ كخطوة تبحث عنها المليشيا لرفع روح مقاتليها التي تعرضت لإحباط شديد في دارفور وكردفان والجزيرة التي تقول القيادة العسكرية أن تحريرها بات وشيكاً وهي الخطوة التي ينتظرها الشعب مثل انتظاره لتحرير مدينة بحري لتنعم أم درمان بالأمن.
اذا كان أمل كردفان معلقاً على متحرك الصياد والأمل الذي داعب كل أهل كردفان أن يفك الحصارعن كل إقليم كردفان، ويستعيد طريق (الأبيض-كوستي) بتحرير (أم روابة) و (الرهد)، وتأمين الأبيض وفتح طريق (الأبيض-الدلنج)، ورغم الاهتمام الذي وجده المتحرك والدعم المالي والمعنوي من الفريق (شمس الدين كباشي) إلا أن المتحرك لايزال في محطة (تندلتي ودعشانا) حتى تهاطلت الأمطار ودخل فصل الخريف، ولايزال الأمل معلقاً أن يتحرك الصياد ويحقق آمال أهل السودان عامة وكردفان بصفة خاصة فهل في مناخ الانتصارات وتقدم القوات في محاور الفاشر وبحري وأم درمان والمناقل يبدأ الصياد في اصطياد فئران التمرد في أم روابة والرهد أم ينتظر الشتاء القادم؟
شغلت الرأي العام قضية افتعلتها متدربة في تلفزيون السودان بإثارة نعرة عنصرية بغيضة وهي تخرج بخلاف مع مديرها (البزعي) من حيز (حوش) التلفزيون إلى فضاء السياسية، وزعمت المتدربة المدعوة (زينب إيرا) أنها تعرضت لاضطهاد وقمع لهويتها الثقافية، وهي تدعي بأن ملابسها هي هويتها وذلك تبسيط مُخلّ لمعنى الهوية مما يدل على أنها فتاة تعوزها المعرفة والثقافة عما هي الهويات، وليتها قرأت كتاب (فرانسيس دينق مجوك) عن صراع الرؤى حول ماهي الهوية، ولكن الفتاة (الشرقاوية) لجات لاستحضار مليشيات قبيلتها (البجا) لاحتلال التلفزيون، وجاء (شيبه ضرار) أحد المستثمرين في قضايا الشرق لمناصرة الفتاة، وشهد الشعب السوداني مهزلة بطلتها هذه الفتاة التي دفعت بها جهات سياسية معارضة للاستثمار في مناخ الإحباط والكراهية والتشرذم لافتعال هذه القضية، وقد هرع لمكان الحادثة بتلفزيون السودان والي البحر الأحمر الضعيف لإقناع شيبة ضرار والمليشيات التي احتلت غرفة البث وطردت العاملين في مشهد بربري وحشي وبدلاً من فتح بلاغات في مواجهة الذين تعدّوا على حرمة التلفزيون وطردهم بقوة، وفتح تحقيق مع المتدربة ومدير التلفزيون، ونقل القضية إلى فضاء العدالة لجأ الوالي لأسلوب الترضيات و(باركوها ياجماعة)، ونشطت حملة سياسية كبيرة في الفضاء الإعلامي لجذ عنق المدير العام للتلفزيون والإذاعة ومحاكمته والزعم بأنه جاني على الثقافة والهوية (البجاوية)، ولم يسأل أحدٌ ماذا بعد الذي حدث؛ هل يبقى التلفزيون القومي في بورتسودان وهو غير مرحب به من قبل أهل المنطقة وهل تملك الدولة القدرة والرغبة في حماية (البزعي) الذي طالبت مليشيات (شيبه ضرار) بطرده من المدينة المقدسة.