وجه الحقيقة … حرب السودان وقضايا التحول الثقافي والاجتماعي.. بقلم/ إبراهيم شقلاوي

في منتصف أبريل من العام الماضي اندلعت الحرب في السودان نتيجة محاولة انقلابية قادتها مليشيا الدعم السريع بدعم إقليمي و إسناد من بعض القوى السياسية الداخلية التي كانت تخطط لاختطاف الدولة السودانية. هذه المحاولة الفاشلة للاستيلاء على السلطة بالقوة تحولت سريعاً إلى حرب شاملة ضد السودانيين، و أسفرت عن وقوع العديد من الضحايا و الانتهاكات الوحشية، كما استُبيحت الأعيان المدنية و ممتلكات المواطنين و قد تأثرت جراء ذلك جميع البُنى الثقافية في مناطق الحرب.

تضررت جميع مقار الإذاعة و التلفزيون القومي، و توقفت أجهزة البث الإذاعي والصحف و دور العرض و المسرح، كما تم نهب المتحف القومي للآثار السودانية، و دار الوثائق القومية و عدد من المتاحف و المكتبات الكبيرة التي كانت تشكل جزءاً من الوجدان و التراث القومي للسودانيين. و بذلك توقف النشاط الثقافي في السودان، خاصة في العاصمة الخرطوم بمدنها الثلاث: الخرطوم، بحري و أم درمان.

وسط هذه الفوضى و الدمار الذي خلفته الحرب في السودان، ظهر تأثير كبير على الحياة الثقافية و الاجتماعية للمجتمع السوداني. فالهجمات الوحشية على المدنيين و نهب المؤسسات الثقافية و المباني التاريخية الهامة يكشفان أن الحرب لم تستهدف الأرواح البشرية فحسب، بل استهدفت أيضًا الهوية والتاريخ والثقافة السودانية.

تم تشريد العديد من المواطنين و المثقفين الذين كانوا يمثلون رئة المجتمع التي يتنفس بها و ركيزته الأساسية في دعم الوحدة الوطنية و تماسك النسيج الاجتماعي. جاء تأثير الحرب على النشاط الثقافي بشكل واضح و قاسٍ للغاية، فقد توقفت عجلة الفنون والإبداع و النشاط المسرحي و الثقافي، و واجه الفنانون و المثقفون صعوبة في التواصل و بناء شبكات التعاون التي كانت تساهم في استمرار الأعمال الثقافية و الفنية بعد فقدانهم المأوي و أدوات العمل الخاصة و العامة.

لذا، من المهم إعادة النظر في كيفية استرداد هذه الأدوات الأساسية، ليتمكن المثقفون و الفنانون من دعم خيارات شعبهم بالوقوف إلى جانب القوات المسلحة السودانية لاستعادة الأمن، و تحقيق السلام وتعزيز الوحدة الوطنية والتضامن من خلال تنظيم مشاريع ثقافية تدعم السلام وتعيد الأمن والاستقرار إلى السودان.

يتعين على المثقفين و الفنانين في السودان أن ينظروا إلى الأمام، و أن يتّحِدوا لاستعادة الأمن و السلام و تعزيز الوحدة الوطنية. يجب عليهم استخدام قدراتهم الإبداعية و التعبيرية لتصميم خطاب ثقافي يعزز السلام والتسامح ويدعم التعايش السلمي بين جميع الطوائف والثقافات في السودان. كما ينبغي عليهم أن يتحدوا ويعملوا معًا لبناء مستقبل أفضل للسودان في ظل التحديات الناجمة عن الحرب، التي قد تصبح مهددًا لوحدتنا الوطنية.

لذا، لا بد من نهوض المثقفين بتكويناتهم المختلفة للمساهمة في تصميم هذا الخطاب الوطني الذي يتسم بالتنوع والتسامح، ويعزز السلام. يجب عليهم توظيف قدراتهم الإبداعية و التعبيرية لإيجاد حلول للتحديات التي تواجههم و تواجه مجتمعنا و تشجيع الحوار والتعاون بين جميع أفراد المجتمع السوداني.

إن جدلية الحرب و السلام في بلادنا تتطلب إعادة النظر في دور المثقفين و الفنانين في بناء الفضاء الثقافي و تعزيز الوحدة الوطنية. في ظل استمرار تحديات الحرب و الصراعات السياسية، يجب ألا يكون المثقفون في السودان جزءاً من هذا الصراع، بل عليهم اتخاذ خطوات فعالة لبناء مجتمع آمن و مزدهر. عليهم تصميم مشاريع و مبادرات ثقافية تعزز الهوية الوطنية و تؤثر إيجابياً على التفاعل الاجتماعي و الثقافي بين السودانيين، حيث يجب أن تبرز حكمة المثقف السوداني في المحافظة على وحدة البلاد أمام التحديات الداخلية و الإقليمية و الدولية.

كما نعلم أن المؤسسات الثقافية في السودان تواجه تحديات هائلة في ظل الحرب جراء الصراعات السياسية المستمرة التي سبقتها. فقد أوجدت هذه الظروف واقعاً محيراً بين المثقفين السودانيين، و خلقت صعوبات في بناء شبكات التعاون و تبادل الخبرات على المستويات الداخلية و الإقليمية و الدولية، بالإضافة إلى صعوبات تقنية نتيجة شح الموارد المادية والفنية للتطوير و تحسين القدرات الثقافية. و رغم المحاولات التي بذلها عدد من الفنانين، أمثال د. (علي مهدي) و الأستاذ (محمد السني دفع الله) و البرفسور (سعد يوسف) و الأستاذ (مكي سنادة) إلا أن محاولاتهم تحتاج إلى دعم و رعاية الدولة في غياب آليات الدعم التي تمثل القطاع الخاص.

خلال زمن هذه الحرب، التي أوشكت على دخول عامها الثاني، فقد السودان عدداً من رموز الثقافة و الفن السودانيين، أمثال (محمد المكي إبراهيم)، و (عبد الكريم الكابلي)، و (الماحي إسماعيل)، و (هاشم صديق)، و (محمد الأمين) و (نبيل متوكل) رحمهم الله جميعاً. فقد ظلوا مهمومين بالحراك الثقافي الوطني و مثلوا أدوات و مؤسسات فاعلة للإنتاج الثقافي و المعرفي الذي يعبر عن ممسكات الوحدة الوطنية.

من الضروري أن نعمل جميعاً لبناء مجتمع أفضل يسوده السلام و الازدهار. لا شك أن للمثقفين و الفنانين دوراً كبيراً في هذا السياق، و عليهم تقديم إسهامات فعالة و إيجابية لتحقيق هذا الهدف. لذا، نرى “وجه الحقيقة” في ضرورة تعاون الجميع لتعزيز خطاب السلام. كما يجب على المجتمع الدولي أن يقف بجانب السودان في هذه الظروف الصعبة، و يدعم جهوده لتحقيق السلام و الاستقرار. إن الثقافة و الفن لهما دور مهم في تعزيز التسامح و الفهم المتبادل، و هما جسر للتواصل بين الشعوب المختلفة. لذلك، علينا جميعاً العمل معاً لاستعادتها، لأنها تمثل دعماً للوحدة الوطنية و التسامح في المجتمع، و التعاون من أجل بناء مستقبل أفضل للسودانيين.
دمتم بخير و عافية.
الأربعاء 13 نوفمبر 2024 م. Shglawi55@gmail.com

Exit mobile version