السودانيون لمن لا يعرفهم مغرمون بالجديد، يبحثون في جميع الأوقات عن الدهشة و عن مايغير المزاج دون اكتراث، يترصدون الأحداث و الأخبار و الأسرار و يجيدون ابتداع المصطلحات بوعي عجيب، فهذه الأيام نحن بين المنطقة (إكس) و (العدة) الجديدة التي وصلت، جميع ذلك تدعمه فكرة (بل بس) و (دبل ليهو) و (أمن ياجن)، سوف نشرح ذلك لاحقآ إذا اتسع المجال، تلك هي المصطلحات المحلية المبتدعة جراء تأثر الناس بالحرب و أوجاعها و هي في مجملها تدعوا إلى الإستمرار في الحرب حتى الانتصار، عموماً في هذا المقال دعوني أحدثكم عن بعض المخبوء و المضنون به لغير أهله كما يقول أهل الفقه، دعونا نستعرض في عجالة أسرار ماحدث في جانب تدابير الشأن المدني و إدارة الدولة بعد اليوم الأول لحرب السودان التي اشتعلت في منتصف أبريل من العام الماضي بعد فشل إنقلاب قوات الدعم السريع المتمردة المدعومة ببعض القوى الإقليمية و الدولية التي تسعى لترتيب السودان وفقاً لمصالحها مع بعض الانتهازيين من الأحزاب السياسية المحلية، ذلك الانقلاب الذي لم يكن يعتمد خطة بديلة (ب) لأن الذين طوروا خياراتهم -كما قالوا- كانوا ضامنين نجاحه خلال ساعات وفقاً لحساباتهم السياسية و العسكرية دون الأخذ في الإعتبار بالمشيئة الربانية، فهم أصحاب قلوب عمياء و بصيرة محدودة لا تحسن التأدب مع الله كما يقول أحد الصالحين، لكن دعونا نعود إلى أمر أهمية إنقاذ الدولة من الانهيار بعد أن كانوا يخططون لابتلاعها بما فيها و من فيها، ذلك ماحدثني عنه صديقي القريب من الأحداث و الأسرار، قال إن ال (72) ساعة التي أعقبت إندلاع الحرب في السودان كانت بالنسبة لهم حاسمة و خطرة بحسابات أهمية المحافظة على الدولة و احتواء شعور الشعب السوداني بانهيار نظام الحكم و غياب السلطة التنفيذية والسياسية.. وقد وضعوا في الإعتبار أن خطة الحرب من المحتمل أن يتم تطويرها ميدانيا حسب اتجاهات الأحداث، لذلك بعد فشل الانقلاب كانوا واثقين أن الأحداث سوف تمضي نحو سيناريوهات مفتوحة لدى القوات المتمردة على جميع الاحتمالات، قد تبدأ بتصاعد الانتهاكات ثم العمل على إشاعة الفوضى و إنفلات الأمن وانهيار النظام الإجتماعي و القيم، الذي يعني الحرب الأهلية.. لذلك كانت أيام صعبة للغاية عليهم وعلى السودانيين قاطبة، أجتهدت حينها قيادة الدولة في المسارعة في تثبيت الشعور لدي المواطنين بوجود السلطة والأمن الإجتماعي والخدمات المرتبطة بمعاش الناس، لذلك أوكل الأمر للفريق مهندس إبراهيم جابر عضو مجلس السيادة مساعد القائد العام للجيش الذي كان بمثابة المسؤول عن القيادة التنفيذية للحكومة و كان التحدي حول كيف يتم إخلاءه بجانب عدد من الوزراء من مكان تواجدهم الغير أمن في وسط الخرطوم وسط الاشتباكات المتصلة بالذخيرة الحية بين قوات الجيش والقوات المتمردة، إلى ولاية الجزيرة كمرحلة أولى لإدارة البلاد من هناك و هو ما يعني الإسراع في مخاطبة المواطنين و العالم الخارجي في ظل نزوح و لجوء بدأ من بعض الولايات، و محيط إقليمي ودولي جله داعم للتمرد حيث كشفت الأحداث عن ذلك بوضوح، هنا بدأت أولى المهام الوطنية البطولية المحفوفة بالمخاطر و التحديات، أسند الأمر لمجموعة منتقاه من قوات المهام الخاصة في الجيش و جهاز الأمن و المخابرات بدأت جميع الأجهزة تعمل بكفاءة عالية لأجل إنجاز عملية الإخلاء التي كانت من أهم شروطها السريه و السرعة و دقة التنفيذ، كانت عملية (عشمك يا وطن) معقدة و ذات خطورة عالية، انتقل الاتصال والتنسيق حينها بين الجميع للشبكات البديلة عالية التأمين و خطة الطواري التي تعرفها الدول في مثل هذه الظروف، كانت قيادة الجيش داخل القيادة العامة مركز التحكم و السيطرة تتابع عن كثب سير العملية. بدأت العملية ليلاً بعد اليوم الأول الذي تم فيه تحييد قدرات التمرد من خلال ضرب مراكز التحكم و السيطرة و شبكة الاتصال الحر التي كان يمتلكها و التي تم تزويده بها عبر دولة إقليمية، لعل الناس يذكرون إطلالة قائد التمرد محمد حمدان حميدتي في الساعات الأولى للانقلاب في ثقة مصطنعة حين أكد لعدد من الفضائيات سيطرتهم علي (90٪) من البلد، و خلال ساعات ستكتمل إلي (100٪)، و أن البرهان محاصر أمامه خيارين إما أن يستسلم أو يموت. كذلك يذكر الناس عبارة ذلك الفتى الغرير الذي يتبع للقوات المتمردة و الذي ظهر ضمن مقطع مصور بحماس عجيب عند بزوغ فجر ذلك اليوم الدامي (استلمنا السودان لا رجوع)، كل ذلك كان يجري بتعجل و (رجفة) كمن يسرق شي فوق تصوره، بينما يمضي في مكان آخر ترتيب دقيق و محكم عبر تلك القوات الخاصة التي وطنت نفسها على الفداء لأجل السودان في جميع الأوقات، في فجر اليوم الثالث على الحرب رفع قائد العملية تمام الانتهاء من العملية و اكتمال كافة الترتيبات المتعلقة بالإخلاء دون خسائر لرجال الحكومة الذين كانوا ضمن دائرة الخطر عبر عمليات وصفها محدّثي بأنها صعبة و معقدة جداً ظهرت خلالها القدرات الفائقة للجيش و الأجهزة الأمنية في تأمين و حماية و إخلاء قيادات الحكومة، التي كانت تمثل الجهاز التنفيذي بكل مهامه المرتبطة بالعمل الداخلي والخارجي، كان القرار الإنتقال لولاية الجزيرة كمرحلة أولى لالتقاط الأنفاس وترتيب الأمور الطارئة المرتبطة بالمواطن و المعاش والخدمات والأمن والعالم الخارجي لشرح مايدور في البلد مع تأمين خروج آمن أو إنتقال للبعثات الدبلوماسية للعاصمة البديلة، وفقاً لذلك بدأت تعمل آلة حاذقة من الكفاءات الوطنية مثلت فريق العمل المتجانس الأول في التأسيس للمرحلة الجديدة للعمل التتفيذي من جميع الأجهزة العسكرية و الأمنية و المدنيين اجتمعوا علي الواجب المهني و الأخلاقي وحب السودان، الذي لايرضون له أن يضام لحظة المحنة و الابتلاء ، كان لا بد من ظهور واضح لكافة القيادات التتفيذية المعروفة للناس ليتم التأكيد على أن دولاب العمل يدور و لم يتأثر بالحرب للمحافظة على الأمن الاجتماعي، في تلك الأثناء كانت الخطة أن تمضي جميع الولايات المتأثرة و غير المتأثرة بالحرب في ترتيب أولوياتها المتعلقة باستعادة الأمن و انسياب السلع و الخدمات، و على الولاة عدم مغادرة ولاياتهم و عليهم الظهور العلني إلى جانب المواطنين، ذلك الظهور الذي نقله الإعلام الاكتروني و إعلام الناشطين عبر الوسائط الإجتماعية حيث أنه مثل النافذة الوحيدة للاتصال والتواصل بين السودانين في تلك الأيام الصعبة عند بداية الحرب لا سيما بعد خروج كافة الاذاعات المحلية والفضائيات السودانية المهمة التي كان يتابعها الناس من الخدمة.. لذلك كان ظهور والي الخرطوم أحمد عثمان حمزة -التي أصبحت عاصمة الحرب- مؤثر جداً و هو يتفقد انسياب إمداد المياه والكهرباء و دقيق الخبز، و يتفقد بعض المواطنين من الرموز الوطنية الذين ظلوا في بيوتهم و لم يخرجوا منها، ذلك أوجد ارتياح عام وسط المواطنين، كان بمثابة طمأنينة جعلت الكثيرين يتمسكون بعدم المغادرة كما جعلت آخرون يلجأون إلى المناطق الآمنة في ولاية الخرطوم التي ظلت تحت سيطرة الجيش. أما في الجانب الأمني ترك أمر إعلان حالة الطواريء و حظر التجوال لتقديرات اللجان الأمنية بالولايات حسب خصوصيتها و تطور وتيرة الأحداث، بعد ذلك سرعان ما إنتقل الفريق إبراهيم جابر وطاقم العمل التنفيذي للحكومة حسب الخطة من ولاية الجزيرة الي العاصمة البديلة بورتسودان، حيث بدأت الأجهزة تعمل وفقا لثلاث أولويات الأولى إستعادة البث الإذاعي وبث الفضائيات المحلية واستعادة الأنظمة التقنية التي تعمل بها الدولة في كافة المعاملات والخدمات والمحافظة على البنية التحتية للاتصالات و إجراء التحوطات اللازمة في حال حدثت أي أعطال طارئه نتيجة الحرب.
الأمر الثاني معاش الناس والسلع والخدمات بدأ تجديد فتح اعتمادات الدقيق و الوقود و الدواء، و تسهيل السفر للراغبين و المرضى والدارسين عبر استخراج الجوازات ونقل كافة الإجراءات المرتبطة بذلك إلى العاصمة البديلة.
ثالثاً تسهيل أمر انتقال أو مغادرة البعثات و الرعايا الأجانب، بجانب سفر وفد برئاسة د. دفع الله الحاج علي مبعوثاً من رئيس المجلس السيادي لعدد من الدول الشقيقة و الصديقة لشرح ما يدور في البلاد إلى جانب ترتيب العديد من الأولويات.
بدأت كل هذه المهام تمضي في اتساق و ترتيب دقيق جداً تحت إشراف الفريق إبراهيم جابر عضو المجلس السيادي و مساعد القائد العام للجيش منذ الأيام الأولى للحرب و ما تزال.
عليه يظل وجه الحقيقة في التأكيد على أن المخلصين من أبناء هذا البلد بعضهم تعلمونهم و بعضهم ربما لا تعلمونهم ظلوا يعملون ليلاً و نهاراً لا يعرف النوم طريقاً إلى أجفانهم وهم يُجرُون ترتيبات إنقاذ الدولة من الانهيار و المحافظة على انسياب المعاملات الحكومية و الخدمات الأساسية. بذلك تجلت عظمة السودانيين حين استعادوا السيطرة على العمل التنفيذي جنباً إلى جنب مع مضي العمليات العسكرية في جميع المحاور و الجبهات، إلى أن جاء ترتيب أمر إخلاء رئيس مجلس السيادة قائد الجيش من القيادة العامة للعمليات الحربية في التوقيت المخطط له بكفاءة و مهنية عالية لم تعرفها معظم الجيوش.
رغم كل ذلك دعونا نؤكد أهمية استعادة الأمن و الذهاب إلى السلام العادل الذي يحقن دماء السودانيين و ينتقل بهم إلى اليوم التالي من الحرب لتحديد خياراتهم في كيف يحكمون و من يحكمهم فقط عبر صناديق الانتخابات، لذلك ندعوا القوات المتمردة إلى الالتزام بتنفيذ اتفاق جدة للترتيبات الأمنية و الإنسانية ثم البحث عن الجماهير التي أوجعوها و نكلوا بها لتقول كلمتها. هذه بعض الأسرار التي صاحبت افشال الانقلاب… إذا أمد الله في الاجال سوف نتناول أخرى فيها المدهش و المثير.
دمتم بخير وعافية.
الأحد 29/سبتمبر /2024 م. Shglawi55@gmail.com