وجه الحقيقة… كيف يعبر السودان إلى اليوم التالي دون الصراعات الصفرية!؟ … بقلم إبراهيم شقلاوي
بات من المعلوم، حسب مصادر إعلامية محلية و إقليمية، أن حرب السودان قد بدأت بانقلاب عسكري أوعزت به بعض الأحزاب السياسية المكونة لمجموعة “تقدم” (تجمع تنسيقية القوى المدنية) إلى قيادة مليشيا الدعم السريع. تم التخطيط على أساس استلام السلطة بضربة خاطفة و سريعة لفرض الاتفاق الإطاري، و من ثم إعادة هيكلة الجيش و سحق الإسلاميين. قال ممثل الحزب الشيوعي بتحالف قوى الحرية و التغيير القيادي بالحزب الشيوعي السوداني (صديق فاروق التوم) بحسب شبكة (سودان ناو) الإخبارية: “إن المعركة مع الإسلاميين (الكيزان) بلغت الحدود الصفرية؛ فإما أن نسحقهم أو نستعد لصعود مقاصلهم.” استطاع الجيش إفساد خطة الانقلاب فتحولت البلاد إلى الحرب.
يظل كل هذا الحديث و الإفادات المتعلقة بأسباب الحرب، و سؤال من بدأ الطلقة الأولى، و من صنع الأجواء و المقدمات التي دحرجت البلاد نحو الحرب، و من جعل الانقلاب الخيار الوحيد عندما تحدث عن تطوير الخيارات في حال تم عرقلة إجازة الإطاري من أي من القوى السياسية أو الجيش، كل ذلك مكانه القانون و محاكم الدولة، و لا مجاملة فيه لأحد. هذه المرة سيقف الشعب ليسمع و يرى من أدخله في هذه المحرقة التي فقد فيها أرواحاً عزيزة، كما فقد أمنه و مدخراته و انتُهك عرضه. لن يجامل أحد، و لن يكون هناك “عفا الله عما سلف”، و لن يسمح بالتسويات التي اعتادت عليها الحكومات و الأنظمة السياسية لطي الملفات. و لكن إلى ذلك الحين، من الضروري أن تبحث تنسيقية القوى المدنية (تقدم) عن مقاربة جديدة تعيدها إلى الداخل بعيداً عن تنمر القوى السياسية المناوئة، للتصالح مع الشعب السوداني. الوقت الحالي هو الأنسب لتحقيق ذلك، حيث يقدّم السودانيون في هذه المرحلة وحدة صفهم على ما سواها. لاحقًا، يجب أن تكون المحاسبة للجميع.
يجب أن تدرك (تقدم) أن استعادة الثقة مع المواطنين تتطلب الابتعاد عن سيناريوهات دعم المليشيا أو التماهي معها، كما يجب ألّا تعتمد على التدخلات الإقليمية أو الدولية في الشأن الداخلي للبلاد التي قد تؤدي إلى مزيد من الانقسام. كذلك عليها أن تبتعد عن سيناريوهات الحاضنة الإقليمية أو الدولية لمشروعها السياسي العلماني. عليها أيضاً أن لا تمني نفسها بتصدير بعض التجارب العربية السياسية إلى الداخل السوداني أو غيرها من التجارب في المنطقة، التي تقوم على الوصاية الإقليمية أو الدولية على البلاد و تقاسم النفوذ على الأحزاب و الكيانات السياسية. السودان بلد مختلف تماماً عن واقع كثير من البلدان التي فُرض عليها التدخل في سياستها الداخلية و انتقاص سيادتها الوطنية.
الوقت الآن يساعد جميع الوطنيين الحقيقيين على إدراك أهمية الانتباه للوطن، و ذلك ممكن، بل إن التأخير يجعل الأمر صعباً و ربما مستحيلًا. لذلك يجب أن تعيد (تقدم) النظر في مشاريعها الإقصائية و الانقلابية التي تريد أن تتحكم عبرها في مصير البلاد دون تفويض انتخابي بعد أن أصبح ذلك من الماضي. فلا توجد شرعية ثورية بعد الحرب. يجب أن تنسى حديث الرشيد سعيد ،القيادي بتجمع المهنيين، الذي قال في مقابلة مع قناة فرنسية إن الثورة في السودان، خلافًا لدول الربيع العربي، قامت ضد الإسلاميين، و إنها تعني رفض الدولة الدينية مقابل الدولة العلمانية. هذا النوع من الأحاديث الإقصائية العدمية لا يُنتج ممارسة سياسية رشيدة ولا يُرجى منه تحقيق استقرار سياسي أو نهضة اجتماعية.
بالمقابل، بدا حديث الإسلاميين أكثر اتساقاً مع قيم الديمقراطية و مقتضياتها، حين قال أمين حسن عمر ،القيادي بالتيار الإسلامي العريض، في أحد البرامج الحوارية: إن مشروعهم السياسي ليس ضد أحد، و ليس لأحد الحق في أن يصادر حقوقهم في العمل السياسي تحت أي لافتة أو عنوان. و أضاف أن دعمهم لحكومة حمدوك ليس لأنهم يحبونه، و لكن لأنهم يحبون بلدهم و يخشون عليها من الانزلاق في الفوضى. لذلك هم يدعمون الفترة الانتقالية. و أكد ذلك إبراهيم غندور ،رئيس المؤتمر الوطني، في أول تصريح صحفي له بعد سقوط حكمهم، إذ قال: “سنكون معارضة مساندة لأجل الاستقرار و سوف ننتظر الانتخابات بعد أن نعيد حساباتنا و نراجع تجربتنا.” عليه، يجب فعلاً على الإسلاميين المسارعة بتقييم تجربتهم وإجراء مقاربات جديدة بين الواقع السياسي الداخلي للسودان و المحيط الإقليمي و الدولي، على أساس أهمية الخروج من المأزق الحضاري و السياسي للدولة السودانية. كما أكدوا أن الشعب السوداني من الشعوب التي يتجذر فيها الانتماء للمفاهيم و القيم الدينية.
لذلك لا بد من بذل جهود في هذا الاتجاه، لضمان عودة الأمن و الاستقرار و السلام لبلادنا، بالنظر إلى تقدم الجيش في جميع محاور القتال من أجل استعادة السيطرة و استعادة الأمن والسلام.
يجب أن نعلم أن السودان بلد غني بتنوعه، و يجب أن تُبنى استراتيجيات السلام و الاستقرار على أساس الحوار الشامل و الشراكة الحقيقية مع جميع مكونات المجتمع. كذلك من المهم التركيز على تعزيز السيادة الوطنية و بناء مؤسسات الدولة القوية التي تعكس إرادة الشعب و تلبي احتياجاته لإيقاف الحرب و تحقيق السلام المستدام، ينبغي أن تتبنى جميع الأحزاب السياسية السودانية مبادرات تهدف إلى المصالحة الوطنية، و توفير بيئة آمنة للجميع مع التأكيد على أهمية حقوق الإنسان و العدالة الاجتماعية و سيادة حكم القانون.
وفقًا لذلك، يمكننا أن نؤسس لمستقبل آمن و مستقر للسودان، يتجاوز الأزمات الحالية و يحقق تطلعات جميع السودانيين. و عليه، يظل وجه الحقيقة لأجل أن تقدم الأحزاب السودانية نفسها من جديد للشعب السوداني، عليها إعادة النظر في التصالح مع الشعب السوداني و الاعتذار له عن هذه الحرب، ثم الاتفاق فيما بينها لوضع مبادرة وطنية تهدف إلى إنهاء الحرب. ذلك مع أهمية النظر إلى أن انتصار الجيش خطوة نحو السلام بينما انتصار المليشيا يعمل على اتساع دائرة الحرب و الصراع. كذلك، من المهم اعتماد اتفاق جدة باعتباره يمثل المخرج من الأزمة و هو الوسيلة الأساسية و الوحيدة لإنهاء الحرب عبر الحوار. بذلك يمكن أن يعبر السودان إلى اليوم التالي دون الصراعات الصفرية.
دمتم بخير وعافية.
السبت 19/أكتوبر/2024م.
Shglawi55@gmail.com