تحت الحصار ..السلام لقلبك يا صاحبي .. (إنا نحن نحي الموتي ونكتب ما قدموا واثارهم وكل شيء احصيناه في أمام مبين )..
✍️د. محمد حسن فضل الله
أراك ياصاحب تتبرم شاكيا من حكاية النزوح وليل المنافي الطويل …
وتشتكي من ديار ألفيتها علي غير حسن .. وقد يؤلف الشيء الذى ليس بالحسن ..وقد تستعذب الارض التى لا هواء بها ولاماؤها عذب .. وقد يتخذها الإنسان وطن …
يا صاحبي كل من مشي على ارض ترك آثار أقدامه فيها ، واثار اعماله عليها… والله تعالي يقول: (إنا نحن نحي الموتي ونكتب ما قدموا واثارهم وكل شيء احصيناه في أمام مبين )..
وفي ذلك يقول الطبري .. وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا في الدنيا من خير وشر، وقال ابن وهب، (وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا ) قال: ما عملوا.. وعن مجاهد قوله: (مَا قَدَّمُوا) قال: أعمالهم .. وقوله (وَآثَارَهُمْ) يعني: وآثار خطاهم بأرجلهم، وذكر أن هذه الآية نـزلت في قوم أرادوا أن يقربوا من مسجد رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ، ليقرب عليهم…
وعن ابن عباس، قال: كانت منازل الأنصار متباعدة من المسجد، فأرادوا أن ينتقلوا إلى المسجد فنـزلت ( وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ ) فقالوا: نثبت فى مكاننا….
وقال صاحب الظلال .. أثارهم هي كل ما خلفته أعمالهم من آثار ، كلها تكتب وتحصى، فلا يند منها شيء ولا ينسى. والله –سبحانه – هو الذي يحيي الموتى، وهو الذي يكتب ما قدموا وآثارهم، وهو الذي يحصي كل شيء ويثبته، فلا بد إذن من وقوع هذا كله على الوجه الذي يليق بكل ما تتولاه يد الله…
وعن ابن عجيبه في تفسير الاية { ونكتب } اى نحفظ ونثبت فى اللوح المحفوظ{ وآثارهم} اثر الشئ حصول ما يدل على وجوده اى آثارهم التى ابقوها من الحسنات كعلم علموه، او كتاب الفوه، او حبيس وقفوه ،او بناء شئ من المساجد والرباطات والقناطر وغير ذلك من وجوه البرّ ..ومن السيئآت كوظيفة وظفها بعض الظلمة على المسلمين مسانهة او مشاهرة وسكة احدثها فيها تحسيرهم وشئ احدث فيه صدّ عن ذكر الله ..
فإن ساقتك أقدار الله يا صاحبى إلى بلدان لم تكن تعرفها، وأراض لم تكن تألفها…. فاترك وراءك الآثار…. قبل أن تغادر الديار… فالأماكن تشهد لأحدنا أو عليه…”يومئذٍ تُحدِّثُ أخبَارهَا”..
ومن خذلان العبد أن تقذف به الاقدار لأراض…. فيغادرها خالي الوفاض. فيخسر بذلك مرتين …
والخسارة الاكبر ان يضم الى جانب غربته ومنفاه وبعده وحسرته .. يضم اليها اثاما وذنوبا وسيئات ماكان ليقع فيها لو هجرته ومنفاه …فيخرج منهامحملا بالوزارة والاثام..
روي يا صاحبي أن شيخا لنا من اهل الطريق وجماعة الصلاح عاش زمنا في أرض ثم تركها إلى غيرها… وحدث أن جاءنا شيخنا زائرا بعد مدة فنزل إلى الأرض وقبلها وقال: هذه أرض كثيرا ما أطعت الله فيها!!
يا صاحبي كانت وصية شيخنا علِّموا في أماكنكم الجاهل…وردوا الشارد.. اعطوا المحتاج..اغيثو الملهوف .. اطعموا الجائع.. أمنو الخائف.. أجبروا الكسير .. دلوا فيها الناس على الله… واخدموا فيها دين الله..
هذه الارض املؤوها سجودا .. وعطاء وجودا..
وقال شيخنا رضى الله عنه ضعوا فيها البذور بإخلاص.. والله سيتعهدها لكم حتى تثمر الثمر الاكبر .. فمعاذ بن جبل مكث في اليمن أياما.. وخرج منها بآلاف المسلمين..
لو تذكر ياصاحبي ..ان عمرو بن العاص سيأتي في ميزانه وموازين أصحابه ملايين الموحدين من المصريين…
ومصعب بن عمير يا صحبي ايضاً مكث في المدينة عاما فأدخل الله به الإسلام في كل بيت…
وأتقياء أخفياء يا صاحبى نحن لا نعلمهم تكتب في صحائفهم مليارات الحسنات من كل تسبيحة يسبحها أهل ماليزيا وإندونسيا، اوشهادة تشهد في اصقاع الارض، او مجاهل روسيا او غياهب افريقيا …
يكفي يا صاحبى تارك الأثر فخرا ان ذكره في السماء لا ينقطع، واثره في الارض لايختفي …
الآثار الآثار … يا صاحبي طالما ساقكم الله إلى هاتيك الديار… فالسلام لقلبك العامر ..ثم كن سرمدا بخير ..
د. محمد حسن فضل الله