أصل القضية .. إستراتيجية الجسر و المورد .. سلاح السودان في مواجهة التحديات الاقتصادية العالمية .. بقلم/ محمد أحمد أبوبكر

في خضم العواصف الاقتصادية التي تضرب العالم، هناك دول تعيش على هامش الأحداث و هناك دول تصنع الأحداث. السودان اليوم أمام خيارين: إما أن يبقى لاعبًا هامشيًا في مسرح التنافس الدولي، أو أن يتحول إلى لاعب رئيسي يتقن فن إدارة موارده و استثمار موقعه الاستراتيجي. و بين هذين الخيارين، تبرز إستراتيجية الجسر و المورد كطريق واضح لتوجيه هذا التنافس لصالح السودان و مواطنيه.
السودان بعد حرب الكرامة: تحديات و فرص:
عندما يتحدث الناس عن “حرب الكرامة”، فإنهم لا يتحدثون عن صراع عادي، بل عن لحظة فارقة في تاريخ السودان الحديث. إنها تلك اللحظة التي تجسدت فيها كرامة الأمة في وقوف جيشها بصلابة و الشعب يسنده بقلب واحد. لكن ما بعد الحرب قد يكون أكثر أهمية إذ تبدأ معركة من نوع جديد: معركة الاقتصاد.
عقب تلك الحرب، وجدت القوى العالمية أعينها متجهة نحو السودان، ليس فقط بفضل موقعه الاستراتيجي الذي يربط إفريقيا بالشرق الأوسط والعالم، بل أيضًا بسبب ثرواته الطبيعية الهائلة. فالسودان يمتلك كنوزًا من النفط، الغاز، المعادن، والمياه، ما يجعله هدفًا للتنافس الدولي. لكن كيف يمكن لهذا البلد أن ينجو من شراك هذا التنافس و يحول الفرص إلى مكاسب؟ هنا تتدخل استراتيجية الجسر و المورد.
إدارة التنافس الدولي على الموارد السودانية:
التنافس الدولي ليس عدوًا، بل فرصة. في عالم تسيطر عليه المصالح يمكن أن تتحول الفرص إلى ثروة إذا أُديرت بحكمة. و هنا يأتي دور استراتيجية الجسر و المورد التي تضع السودان في قلب التحولات الجيوسياسية، بحيث لا يُستنزف في صراعات خارجية، بل يصبح جسرًا للتواصل بين الدول و موردًا للتنمية المستدامة.
هذه الإستراتيجية تدعو السودان لأن يكون قائدًا في إدارة موارده. فبدلاً من بيع النفط و الذهب خامًا، يجب أن يتجه نحو إقامة صناعات تحويلية تضيف قيمة اقتصادية، و توفر وظائف للشباب و تضمن استقرار الاقتصاد في مواجهة التحديات العالمية. إنها دعوة لبناء شراكات مع دول كبرى بشروط سودانية تضمن نقل التكنولوجيا و بناء القدرات الوطنية و ليس مجرد استنزاف الثروات.
الشعب السوداني… العمود الفقري للمستقبل:
إن كانت حرب الكرامة قد علمتنا شيئًا، فهي أن قوة الشعوب أكبر من الجيوش. لقد وقف الشعب السوداني خلف جيشه في لحظات حاسمة، و اليوم، هو مطالب بالوقوف خلف اقتصاده. كيف؟
●الشعب كقوة اقتصادية:
لم يعد الانتظار مجديًا. السودان يمتلك طاقات شبابية هائلة، وموارد طبيعية خصبة، وموقعًا جغرافيًا يجعله نقطة تواصل مع العالم. إذا نجح الشعب في توجيه هذه الطاقات نحو ريادة الأعمال والمشاريع الصغيرة والمتوسطة، يمكن أن يتحول السودان إلى قوة اقتصادية تعتمد على ذاتها.
●الشعب كقوة سياسية:
الدور السياسي للشعب لا يقل أهمية عن دوره الاقتصادي. على السودانيين أن يكونوا شركاء في صنع القرار الاقتصادي، و أن يطالبوا بمزيد من الشفافية و الحوكمة في استثمار الموارد. بهذا، يمكنهم ضمان أن تكون الثروة الوطنية في خدمة التنمية المستدامة، وليس في خدمة مصالح ضيقة.
أصل القضية: الطريق نحو المستقبل:
لكن هنا، دعونا نعود إلى أصل القضية. هذه ليست معركة اقتصادية فقط، إنها معركة تتعلق بهوية السودان و مستقبله. لسنوات طويلة، عاش السودان تحت وطأة النزاعات والفساد و سوء الإدارة، و تبددت ثرواته في صراعات لا طائل منها. اليوم، و نحن أمام فرصة جديدة، علينا أن نتعلم من دروس الماضي. علينا أن نضع الإنسان السوداني في قلب المعادلة، وأن نعيد صياغة الاقتصاد بحيث يخدم الشعب، و ليس العكس.
استراتيجية الجسر و المورد ليست مجرد خطة اقتصادية، إنها فلسفة للحياة. إنها تمثل الروح السودانية التي لا تستسلم، بل تتحدى الصعاب وتصنع الفرص من رحم الأزمات. إنها الطريق نحو بناء دولة قوية، تعتمد على مواردها الوطنية وتبني جسور التعاون مع الآخرين دون أن تفقد استقلالها.
السودان على مفترق الطرق:
اليوم، يقف السودان على مفترق طرق تاريخي. إما أن يختار طريق الاعتماد على الآخرين واستنزاف ثرواته، أو أن يختار طريق الجسر والمورد الذي يعيد للشعب السوداني كرامته الاقتصادية و يضعه في مركز الأحداث العالمية. إن الشعب السوداني الذي انتصر في حرب الكرامة قادر على الانتصار في حرب الاقتصاد إذا ما توحدت الرؤية و تم استغلال الموارد بذكاء.
السودان اليوم أمام فرصة نادرة، و التاريخ لا يمنح الفرص مرتين. فليكن خيارنا الجسر و المورد… و ليكن النصر للاقتصاد كما كان للكرامة.